وفلاح الآخرة؛ فلاح الدنيا بأن تنتصروا على خصومكم، وأن تعيشوا معيشة آمنة مستقرة رغدة، وفلاح الآخرة أن تأخذوا حظكم من الخلود في النعيم المقيم، ومادام سبحانه يقول: اصبروا فلابد أن يكون هذا إيذانا بأن فيه مشقة، فالإيمان يؤدي إلى الجنة، والجنة محفوفة بالمكاره؛ لذلك لابد أن تكون فيه مشقات.
وإذا نظرت إلى تلك المشقات تجدها في ذات النفس منفصلة عن المجتمع تارة، وتجدها في ذات النفس مع المجتمع تارة أخرى، أما في ذات النفس مفصولة عن المجتمع، فإن الصبر يقتضي أن تصبر على تنفيذ أمر الله في فعل الطاعات وعلى تحمل الألم منه في ترك المعاصي وإن كان ذلك يمنعك عن لذة شهوة تحبها فإنك تصبر عن تلك الشهوة التي تلح عليك، فمجاهدة المؤمن أن يصبر عن الشهوات التي نهى الله عنها، والأشياء التي تصيب الإنسان يصبر عليها، فالمصيبة في النفس يصبر عليها، والأشياء التي يصبر عنها من النواهي هي الشهوات والمتع التي يحرمها الله.
وكأن الحق سبحانه وتعالى يقول: إنني خلقتك وأعلم منازعة نفسك إلى الشهوة، لأنك تحبها فاصبر عنها، والأمور التي في الطاعة إن فعلتها ستورثك مشقة في ذاتك، اصبر عليها، إذن ففي الأوامر صبر على تنفيذها، وفي المناهي صبر عن إيقاعها، هذه كلها في الذات، وبعد ذلك إذا تعدت المسألة من الذاتية إلى المحيط الخارجي فالحق يقول:{والصابرين فِي البأسآء والضراء وَحِينَ البأس أولئك الذين صَدَقُواْ وأولئك هُمُ المتقون}[البقرة: ١٧٧] .
يقول:«صابرين في» ، فعندنا «صابر على» ، و «صابر عن» و «صابر في» ، «والصابرين في البأساء» التي تقع عليهم من المجتمع الخارج عنهم، وكيف تصيبهم البأساء من المجتمع الخارج عنهم؟ نعم، لأن منهج الحق إنما يجيء ليصوب الخطأ في حركة المجتمع. والخطأ في حركة المجتمع إنما يستفيد منه أناس وهم يحرصون جاهدين أن يصدوا من يريدون تثبيت منهج الله، إذن فهم لا يقصرون في إيذائهم، وفي السخرية منهم، وفي إتعابهم وفي حربهم، وهذا صبر في البأساء