يفسرها بهذا يفسرها بالوسيلة، والذي يفسرها بالأخرى يفسرها بالغاية، فعندما يقال لك: اتق الله، أي اجعل بينك وبين النار التي هي من جنود الله وقاية، أي اجعل بينك وبين غضب الله وقاية، وإذا قال لك: اتَّقِ الله يعني أطعه في أمره وفي نهيه، فما هي الوسيلة لاتقاء النار واتقاء غضب الله؟ إنها الطاعة، فمرة تفسر التقوى بالوسيلة ومرة تفسر بالغاية.
وقلنا في قوله:{لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} إن الفلاح إما أن يكون في الدنيا وإما أن يكون في الآخرة في الدنيا: بأن ترتفع كلمة الحق وكلمة الإيمان وتنتصروا ولا أحد يذلكم ولا يجعلكم أحد تابعين له. هذا لون من الفلاح، ولكن على فرض أنهم فلحوا وضعفتم أنتم، في فترة من الزمن فثقوا أنكم تعملون لفلاح آخر هو فلاح الآخرة، وإلا فالذين يخاطبون بهذه الآية قبل أن يدركوا نصرا للإسلام على أعدائه، يفسرون الفلاح بماذا؟ الذين جاهدوا وتعبوا وعاشوا مضطهدين لا استقرار في حياتهم، وبعد ذلك ماتوا قبل أن يمكن للإسلام، كيف يكون فلاحهم؟ إن فلاحهم في الآخرة، ولذلك تجد الاحتياط في قصة أهل الكهف:{وكذلك بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَآءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَم لَبِثْتُمْ قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُواْ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فابعثوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذه إلى المدينة فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَآ أزكى طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تفلحوا إِذاً أَبَداً}[الكهف: ١٩ - ٢٠] .
ونلحظ في هذه القصة قوله الحق:{يَرْجُمُوكُمْ} هذه واحدة، {أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تفلحوا إِذاً أَبَداً} .
إن كانوا يرجمونكم فسينتصرون عليكم في الدنيا، إنما ستأخذون الآخرة، وإن