فيكتم الألم عن خصمه، لكن هذا في الدنيا، أما في الآخرة فهناك إهانة في النفس، فعذاب الله يجمع الألم والإهانة، إياك أن تفهم أن هناك من يقدر على أن يتجلد كما يتجلد البشر عند وقوع العذاب في الدنيا - إن عذاب الآخرة مهين ومذل للنفس في آن واحد.
وهكذا نجد أن المرحلة الأولى من سورة النساء عالجت وحدة الإنسان أبا، ووحدته أما، وعالجت كيف بث الله منهما رجالا كثيرا ونساء. وعالجت السورة أيضا ما يطرأ مما يجري به قدر الله في بعض خلقه بأن يتركوا أيتاما ضعافا، وأنه سبحانه أراد استبقاء الحياة الكريمة للنفس الإنسانية؛ لذلك طلب أن نصنع الخير والمودة مع اليتامى، ووضع أسلوب التعامل الإيماني معهم، وأن نكون أوصياء قائمين بالعدالة والإرادة الحسنة العفيفة لأموالهم، إلى أن يبلغوا سن الرشد فيتسلموها.
وأيضا عالجت السورة أمراً آخر وهو استبقاء الحياة الكريمة للنساء والأطفال ضمن النسيج الاجتماعي. ذلك أن العرب كانوا يمنعون النساء من الميراث، ويمنعون - كذلك - من الميراث من لم يطعن برمح ولم يضرب بخنجر أو سيف ولم يشترك في رد عدوان. فأراد الله سبحانه لهذه الفئة الذليلة المضطهدة أن تأخذ حقها ليعيشٍ العنصران في كرامة ويستبقيا الحياة في عزة وهمة وفي قوة، فشرع الحقُ نصيباً محدداً للنساء يختلف عن نصيب الرجال مما قل أو كثر، وبعد ذلك استطرد ليتكلم عن الحقوق في المواريث. وأوضح سبحانه الحدود التي شرعها لهذا الأمر، فمن كان يريد جنات الله فليطع الله ورسوله فيما حدّ من حدود. ومن استغنى عن هذه الجنات فليعص الله ليكون خالدا في النار.
إذن فالحياة الإنسانية هبة من الله لعباده، ومن كرمه سبحانه أن أوجد لها - قبل أن يوجدها - ما يقيم أود الحياة الكريمة لذلك الإنسان المكرم، فوفد الإنسان على الخير، ولم يفد الخير على الإنسان، أي أنّ الحق سبحانه لم يخلق الإنسان أولاً ثم صنع له من بعد ذلك الشمس والقمر والأرض والعناصر. لا، لقد خلق الله هذه العناصر التي تخدم الإنسان أولاً وأعدها لاستقبال الطارق الجديد - الإنسان - الذي اختاره سبحانه ليكون خليفة في الأرض. فالخير في الأرض الذي نستبقي به الحياة سبق وجود