إذن ففيه فرق بين الحق وما طاب لكم، والأثر يحكي عن القاضي الذي قال لقومه: أنتم اخترتموني لأحكم في النزاع القائم بينكم فماذا تريدون مني؟! أأحكم بالعدل أم بما هو خير من العدل؟ فقالوا له: وهل يوجد خير من العدل؟ قال: نعم، الفضل. فالعدل: أن كل واحد يأخذ حقه، والفضل: أن تتنازل عن حقك وهو يتنازل عن حقه، وتنتهي المسألة، إذن فالفضل أحسن من العدل، والحق سبحانه وتعالى حين يشرع الحقوق يضع الضمانات، ولكنه لا يمنع الفضل بين الناس:
ويقول الحق في آية الدَّين:{وَلاَ تسأموا أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَو كَبِيراً إلى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ الله وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ وأدنى أَلاَّ ترتابوا}[البقرة: ٢٨٢] .
ويأمركم الحق أن توثقوا الدَّيْن. . لأنكم لا تحمون مال الدائن فحسب بل تحمون المدين نفسه، لأنه حين يعلم أن الدّيْن موثق عليه ومكتوب عليه فلن ينكره، لكن لو لم يكن مكتوبا فقد تُحدثه نفسه أن ينكره، إذن فالحق يحمي الدائن والمدين من نفسه قال:{وَلاَ تسأموا أَن تَكْتُبُوهُ} ، وقال بعدها:{فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الذي اؤتمن أَمَانَتَهُ}[البقرة: ٢٨٣] .
فقد تقول لمن يستدين منك: لا داعي لكتابة إيصال وصكٍّ بيني وبينك، وهذه أريحية لا يمنعها الله فما دام قد أمن بعضكم بعضا فليستح كل منكم وليؤد الذي أؤتمن أمانته وليتق الله ربه.