يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ المحصنات} . . فالمحصنات هن الحرائر، فلماذا أخذتم المحصنات هناك بمعنى الحرائر والمحصنات هنا بمعنى المتزوجات؟! إن عليكم أن تأخذوها بمعنى الحرائر ولا حجة لكم في مثل هذا الباطل. وبذلك تسقط الحجة، فالدليل إذا تسرب إليه الاحتمال سقط به الاستدلال.
ثم نبحث بحثاً آخر، نقول: يقول الحق: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى المحصنات} لو أن الحكم على إطلاقه لما قال الحق: {مِنَ العذاب} ، فكأن الذي عليها فيه النصف هو العذاب، وما هو العذاب؟ العذاب هو إيلام من يتألم، والرجم ليس فيه عذاب لأنه عملية إنهاء حياة، والآية تبين المناصفة فيما يكون عذاباً، أما ما لا يكون عذاباً فهو لا ينصّف والحكم غير متعلق به. فالعذاب إنما يأتي لمن يتألم، والألم فرع الحياة. والرجم مزيل للحياة، إذن فالرجم لا يعتبر من العذاب، والدليل على أن العذاب مقابل للموت أن الحق سبحانه وتعالى حينما حكى عن سيدنا سليمان وتفقده الطير قال:{مَالِيَ لاَ أَرَى الهدهد أَمْ كَانَ مِنَ الغآئبين لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ}[النمل: ٢٠ - ٢١] .
فالذبح وإزهاق الحياة مقابل للعذاب، فقوله:{نِصْفُ مَا عَلَى المحصنات} فالمتكلم فيه الآن العذاب وليس الرجم، وليس إزهاق الحياة وبهذا يسقط الاستدلال.
والذين يقولون: إن آيات القرآن لا تدل على رجم نقول لهم: ومن الذي قال لكم إن القرآن جامع لكل أحكام منهج الله في الإسلام وأنه فصل كل شيء؟ . . القرآن لم يجيء كتاب منهج فقط، وإنما جاء معجزة وكتاب منهج للأصول، ثم ترك للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أن يبين للناس ما نزل إليهم فضلا على أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بنص القرآن عنده تفويض من الله أن يشرع، وتلك ميزة تميّز بها صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ خاتم الأنبياء والمرسلين فالله قد أعطاه الحق في أن يشرع، بدليل أنه سبحانه قال في صلب القرآن الذي يشتمل على أصول منهج الإسلام.