نقول: التوبة لا بد أن تكون مشروعة أولا من الله، وإلا فهل لك أن تتوب إلى الله من الذنب لو لم يشرع الله لك التوبة؟ أتصحُّ هذه التوبة؟ إنه سبحانه إذن يشرع التوبة أولا، وبعد ذلك أنت تتوب على ضوء ما شرع، ويقبل هو التوبة، وبذلك نكون أمام ثلاث مراحل: أولا مشروعية التوبة من الله رحمة منه بنا، ثم توبة العبد، وبعد ذلك قبول الله التوبة ممن تاب رحمة منه - سبحانه - إذن فتوبة العبد بين توبتين من الرب: توبة تشريع، وتوبة قبول.
{والله يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} ، ما دام سبحانه قد شرع التوبة أيشرعها ولا يقبلها؟! لا، فما دام قد شرع وعلمني أن أتوب فمعنى ذلك أنه فتح لي باب التوبة، وَفْتَحُ باب التوبة من رحمة العليم الحكيم بخلقه؛ لأن الحق حينما خلق الإنسان زوده دون سائر الأجناس بطاقة من الاختيارات الفاعلة، أي أن الإنسان يستطيع أن يفعل هذه أو يفعل تلك، وجعل أجهزته تصلح للأمر وللنهي، فالعين صالحة أن ترى آية في كون الله تعتبر بها، والعين - أيضا - صالحة أن تمتد إلى المحارم. واللسان صالح أن تسب به، وصالح أن تذكر الله به قائلا: لا إله إلا الله وسائر أنواع الذكر. واليد عضلاته صالحة أن ترفعها وتضرب بها، وصالحة لأن تقيل وترفع بها عاثرا واقعاً في الطريق.
هذا هو معنى الاختيار في القول وفي الفعل وفي الجوارح، فالاختيار طاقة مطلقة توجهها إرادة المختار، وإذا نظرت إلى اليد تجد أنك إذا أردت أن ترفعها، فإنك لا تعرف شيئاً عن العضلات التي تستعملها كي ترفع اليد. فالذي يرفع يده ماذا يفعل؟ وما العضلات التي تخدم هذا الرفع؟ وأنت ترى ذلك مثلاً في الإنسان الميكانيكي أو تراه في رافعة الأثقال - الونش - التي ترفع الأشياء، انظر كم عملية لتفعل ذلك؟ أنت لا تعلم شيئاً عن هذه المسألة في نفسك، لكنك بمجرد أن تريد تحريك يدك فأنت تحركها وتطيعك. وعندما يريد المهندس أن يحرك الإنسان الآلي فهو يوجهه بحسابات معينة ليفعل كذا وكذا، أما الإنسان فيحرك اليد أو القدم أو العين بمجرد الإرادة.
والحق حين يسلب قدرة الإنسان - والعياذ بالله - يصيبه بالشلل، إنه يريد