إذن فالقدر المشترك هو حرية الاعتقاد، فلا سلطان لنوع على نوع، وكذلك حرية التعقل في المهمات، وعرفنا كيف أن أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها - أشارت على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في غزوة الحديبية إشارة أنقذت المسلمين من انقسام فظيع أمام حضرة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وعرفنا قصة بلقيس - ملكة سبأ - التي استطاعت أن تبرم أمراً تخلى عنه الرجال، إذن فمن الممكن أن يكون للمرأة تعقل وأن يكون للمرأة فكر، وحتى قبل أن يوجد الإسلام كانت هناك نساء لهن أصالة الرأي، وحكمة المشورة في نوع مهمتها.
فمثلاً يحدثنا التاريخ أن ملك «كندة» سمع عن جمال امرأة اسمها «أم إياس» بنت عوف بن محل الشيباني، فأراد أن يتزوجها، فدعا امرأة من «كِندة» يقال لها: «عصام» وكانت ذات أدب وبيان وعقل لسان، وقال لها: اذهبي حتى تعلمي لي علم ابنة عوف. أي أرسلها خاطبة. فلما ذهبت إلى والدة «أم إياس» واسمها «أمامة بنت الحارث» وأعلمتها بما جاءت له. وأرسلت الأم تستدعي الابنة من خيمتها، وقالت لها: هذه خالتك جاءت لتنظر إلى بعض شأنك فلا تستري عنها شيئاً أرادت النظر إليه من وجه وخلق ونَاطقِِيها فيما استنطقتك به. فلما اختلت «عصام» بالبنت فعلت مثل ما أمرتها أمها. وكشفت للخاطبة «عصام» عن كل ما تريد من محاسنها، فقالت الخاطبة كلمتها المشهورة:«ترك الخداع» ما انكشف القناع «، وصار هذا القول مثلاً، أي أن القناع عندما يزول يرى الإنسان الحقيقة، وعادت الخاطبة» عصام «إلى الملك فسألها: ما وراءك يا» عصام «إنه يسأل: أي خبر جئت به من عند» أم إياس «؟ . فقالت: أبدي المخض عن الزبد. والمخض هو: هزّ الحليب في القربة ليفصل الزبد عن اللبن. وذلك يعني أن رحلتها قد جاءت بنتيجة.
فقال لها: أخبريني.
قالت: أخبرك حقاً وصدقاً. ووصفتها من شعرها إلى قدمها وصفاً أغرى الملك. فأرسل إلى أبيها وخطبها وزفت إليه.
وفي ليلة الزفاف نرى الأم العاقلة توصي ابنتها في ميدان عملها، في ميدان