وانظر إلى الدقة، لا تهجرها في البيت، لا تهجرها في الحجرة، بل تنام في جانب وهي في جانب آخر، حتى لا تفضح ما بينكما من غضب، اهجرها في المضجع؛ لأنك إن هجرتها وكل البيت علم أنك تنام في حجرة مستقلة أو تركت البيت وهربت، فأنت تثير فيها غريزة العناد، لكن عندما تهجرها في المضجع فذلك أمرٍ يكون بينك وبينها فقط، وسيأتيها ظرف عاطفي فتتغاضى، وسيأتيك أنت أيضاً ظرف عاطفي فتتغاضى، وقد يتمنى كل منكما أن يصالح الآخر.
إذن فقوله:{واهجروهن فِي المضاجع} كأنك تقول لها: إن كنت سَتُدِلِّينَ بهذه فأنا أقدر على نفسي. ويتساءل بعضهم: وماذا يعني بأن يهجرها في المضاجع؟ . نقول: ما دام المضجع واحداً فليعطها ظهره وبشرط ألا يفضح المسألة، بل ينام على السرير وتُغلق الحجرة عليهما ولا يعرف أحد شيئاً؛ لأن أي خلاف بين الرجل والمرأة إن ظل بينهما فهو ينتهي إلى أقرب وقت، وساعة يخرج الرجل وعواطفه تلتهب قليلاً، يرجع ويتلمسها، وهي أيضاً تتلمسه.
والذي يفسد البيوت أن عناصر من الخارج تتدخل، وهذه العناصر تورث في المرأة عناداً وفي الرجل عناداً؛ لذلك لا يصح أن يفضح الرجل ما بينه وبينه المرأة عند الأم والأب والأخ، ولنجعل الخلاف دائماً محصوراً بين الرجل والمرأة فقط. فهناك أمر بينهما سيلجئهما إلى أن يتسامحا معاً.
{فَعِظُوهُنَّ واهجروهن فِي المضاجع واضربوهن} وقالوا: إن الضرب بشرط ألا يسيل دما ولا يكسر عظما. . أي يكون ضرباً خفيفاً يدل على عدم الرضا؛ ولذلك فبعض العلماء قالوا: يضربها بالسواك.
وعلمنا ربنا هذا الأمر في قصة سيدنا أيوب عندما حلف أن يضرب امرأته مائة جلدة، قال له ربنا:{وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فاضرب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ}[ص: ٤٤] .
والضغث هو الحزمة من الحشيش يكون فيها مائة عود، ويضربها ضربة واحدة فكأنه ضربها مائة ضربة وانتهت. فالمرأة عندما تجد الضرب مشوباً بحنان الضارب