فلماذا ترائيهم؟ إذن فهذه صفقة فاشلة خاسرة؛ ولذلك قال الحق:{إِنَّ الله اشترى مِنَ المؤمنين أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الجنة}[التوبة: ١١١] .
وما دام سبحانه هو الذي اشترى فلا بد أن الثمن كبير؛ لأنه يعطي النعيم الذي ليس فيه أغيار، ففي الجنة لا تفوت النعمة مؤمناً، ولا هو يفوتها. فالذي يرائي الناس خاسر، ولا يعرف أصول التجارة؛ لأنه لم يعرف طعم التجارة مع الله؛ ولذلك شبه عمله في آية أخرى بقوله:{كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً}[البقرة: ٢٦٤] .
و «الصفوان» هو المروة وجمعه مرو وهي حجارة بيض براقة، والمروة ناعمة وليست خشنة. لكنْ بها بعض من الثنايا يدخل فيها التراب؛ ولأن المروة ناعمة جداً فقليل من الماء ولو كان رذاذاً يذهب بالتراب. والذي ينفق ماله رئاء الناس هو من تتضح له قضية الإيمان ولكن لم يثبت الإيمان في قلبه بعد، فلو كنت تعلم أنك تريد أن تبيع سلعة وهناك تاجر يعطيك فيها ثمنا أغلى فلماذا تعطيها للأقل ثمنا؟ إنك إن فعلت فقد خبت وخسرت فأوضح لك الحق: ما دمت تريد رئاء الناس إذن فأنت ليس عندك إيمان بالذي يشتري بأغلى، فتكون في عالم الاقتصاد تاجرا فاشلاً، ولذلك قلنا: ليحذر كل واحد حين يعطي أن يخاف من العطاء، فالعطاء يستقبله الله بحسن الأجر، ولكن عليه ألا يعطي بضجيج ودعاية تفضح عطاءه؛ ولذلك قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ضمن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله:
«رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه» .
إنّ العبد الصالح حين يعطي فهو يعلم أن يده هي العليا ويده خير من اليد السفلى، فليستر على الناس المحتاجين سفلية أيديهم، ولا يجعلها واضحة.
ولكن الحق سبحانه وتعالى لا يريد أن يضيق مجال الإعطاء فقال: