بين البديلات، لكنه أوضح: أنا أعلم أن عبدي سيختار كذا وكذا. إذن فهذا سبق علم لا قهر قدرة. فالقدرة لها تأثير والعلم لا تأثير له ولا قهر. وقول الله هنا:{وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُواْ بالله} فقوله: {وَمَاذَا عَلَيْهِمْ} تعني أي ضرر يلحقهم. كلمة «عليهم» دائماً تكشف للإنسان ما عليه؛ لذلك لا يقول «لهم» بل يقول: أي ضرر كان يلحقهم لو أنهم آمنوا بالله؛ ولذلك يقول الحق:{الذين يَظُنُّونَ أَنَّهُم ملاقوا رَبِّهِمْ}[البقرة: ٤٦] .
لم يقل سبحانه: الذين يتيقنون. بل إن مجرد الظن بلقاء الله جعلهم يعملون الأعمال الصالحة، فما بالك إذا كان العبد متيقناً؟ إن المتيقن يقوم بالعمل الصالح من باب أولى. ولذلك فهذه المسألة أخرجت «المعرّي» عما أتهموه به من أنه ينكر البعث، صحيح أنه في أول حياته قال:
تحطمنا الأيام حتى كأننا ... زجاج ولكن لا يُعاد لنا سَبْكُ
فقالوا: إن قوله «لا يعاد له سبك» معناه أنه ينفي قدرة الحق على أن يبعثنا مرة ثانية، مع أنه من الممكن أن يتأول فيها، أي لا يعاد لنا سبك في حياتنا هذه، ونحن لا نرى من مات يعود مرة ثانية. ونقول كذلك: إن هذه قالها في أول حياته. ولكنه قال في آخر الأمر:
زعم المنجم والطبيب كلاهما ... لا تحشر الأجساد قلت إليكما
إن صح قولكما فلست بخاسر ... أو صح قولي فالخسار عليكما
فهو يطلب من الطبيب والمنجم أن يكفا عن إفساد العقول بالشك. وهب أنه اعتقد ألا بعث، وواحد آخر اعتقد أن فيه بعثاً، نقول له: إما أن يجيء بعث فيكذب من قال: لا بعث، وإما ألا يجيء بعث، فإذا لم يجيء البعث، ما الذي ضر من آمن بالبعث؟ وإذا جاء البعث فمن الذي خسر؟ سيخسر من أنكره، إذن فالذي ينكر البعث يخسر ولا يكسب، لكن من قال: إن هناك بعثاً لا يخسر، وهكذا.