الدنيا القريبة، ستجد أنها قد تنتهي قبل أن تصل إليها ويكون تعبك قد ذهب هباء. ولذلك أخفى الله الموت وأسبابه وزمنه كي يختبر الإنسان، فهناك من يحقق كل ما رغب فيه وفي آخر الأمر تنتهي المسألة بالموت، وهو قد أخذ الهباء لأنه لم يؤمن بالمسبب، هب أنه أخذ الدنيا كلها عنده، نقول له: سيأتيك الموت، يعني إما أن تفارق أنت النعمة وإما أن تفارقك النعمة، ولكن في الحياة الآخرة أنت لا تفارق النعمة ولا النعمة تفارقك فهذه - إذن - هي الغاية الحقة، غاية العقلاء.
ومتعتك في دنياك كما قلنا على قدر أسبابك أما متعتك في الآخرة فهي على قدر المسبب، وسبحانه لا يقادر قدره ولا أحد يماثله في فعله. والعاقل هو من ينظر إلى الغاية البعيدة.
إذن فالسبيل لا يمكن أن يكون طريقاً إلا إذا علمت الغاية، والذي يجعل الناس تتعب في الدنيا، أنهم لا يعرفون إلا الغايات القريبة، ولذلك سماها «الدنيا» ولا يوجد اسم أدنى من ذلك لها، وكان يجب أن يوحي هذا الاسم بأنها فانية وهناك باقية. إذن فقبلما ترسم السبيل لا بد أن تحدد الغاية. وبعدما تحدد الغاية تختار السبيل الذي يوصلك للغاية، وهكذا نعرف أن هناك فرقا بين واقع ودافع، الشيء الدافع هو أن تنصب الغاية أولاً وتحددها، فالتلميذ يجتهد كي ينجح، وينجح لكي يأخذ حظه في الحياة، وهذه الغاية لا بد أن توجد في ذهنه قبلما يتعلم، وعندما يتصور النجاح ولذته في ذهنه فهو يبدأ في المذاكرة، وعندما يذاكر يصل إلى الغاية وهي النجاح، فالغاية نوعان: غاية دافعة، وغاية واقعة، فالغاية الدافعة تسبق الطريق، والغاية الواقعة تتأخر عن الطريق، ومن الذي يحدد الغاية؟
إن الذي يحدد غاية كل شيء هو من صنعه، وغايتك أنت من الذي يحددها؟ أنت تحدد الغايات الدنيا، أما الغايات العليا فعليك أن تتركها للأعلى ليحددها وهو الله. وما دام هو سبحانه الذي يحددها لأنك صنعته وخَلقه؛ لذلك تسأله: أنت سبحانك الذي تعلم موقعها فهيئ لنا الطريق الذي يوصلنا لها. لا بد إذن من الإيمان إذا ما كانت الغاية هي أن تعيش مع الحق، والسبيل هو المنهج:{وَأَنَّ هذا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فاتبعوه وَلاَ تَتَّبِعُواْ السبل فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ}[الأنعام: ١٥٣] .
أي أن سبلكم أنتم لا توصلكم إليَّ؛ لأنكم حددتموها بغاياتكم، أمّا أنا فقد