ولئن كان نصرانياً ليردنه عليّ ساعيه - أي المحتسب - وأما الآن فما كنت أبايع منكم إلا فلاناً وفلاناً.
إن الإيمان فطري. إنّ قصارى ما يعطيك هذا الإيمان الفطري أن وراء هذا الكون الدقيق قوة عظمى؛ فالكون المنظم، الرتيب، الذي لا يدخل تحت طاقتك ولا تحت قدرتك، هذا الكون يسير على أحسن نظام. والقوة العظمى القادرة التي وراء ذلك الكون تتصف بالقدرة، وبالعلم، وبالحكمة، وبكل صفات الكمال.
لكن أيعطيك فكرك وعقلك اسم هذه القوة؟ لا يمكن أن يعطي العقل اسم هذه القوة. أيعطيك فكرك وعقلك مرادات هذه القوة؟ إنك لا تستطيع أن تعرف مرادات هذه القوة إلا برسول ترسله ليبلغ عنها. والرسول عندما يأتي تقول: إن القوة التي تبحثون عنها، والتي آمنتم بها إيماناً مجملاً اسمها «الله» . فلا بد أن نصدق الرسول. فالعقل لا يقول لنا اسم القوة الخالقة. ولكن الذي يقول لنا اسم هذه القوة هو البلاغ، ويعطينا الحق هذا البلاغ من خلال الرسول بكل مراداته من وجودنا.
وهذا هو أقصر طريق للوصول إلى الحق بعيداً عن تعقيدات الفلسفة أو تعقيدات المنطق، وسفسطة الجدل، هذا الطريق الذي يثبت أن من يعبد أي قوة غير الله لا حق له في مثل هذه العبادة.
فالذي يعبد الشمس مثلاً هل يستطيع أن يقول لنا ما هو منهج الشمس الذي تطلبه من الإنسان؟ وماذا قالت لمن يعبدها جزاءً للفعل الحسن أو عقاباً على الفعل السيئ؟ ماذا تستطيع هذه الشمس أن تفعل لمن لا يعبدها؟ . إنها لا تملك ثواباً ولا عقاباً، ولا منهج لها، وإله بلا منهج لا يصلح أن يكون إلهاً. فالإله لا بد له من منهج يدل الناس على صواب الفعل وينهي عن سوء الفعل ويملك سلطان الثواب والعقاب. والشمس لا تملك منهجاً تعطيه، وكذلك الحجر أو القمر.
إذن فهذه الأشياء مخلوقة بدورها من قبل خالق ولا تصلح أن تكون آلهة. ووجود الرسل المبلغين عن الله دليل على صدق الدعوة. فالحق سبحانه وتعالى يعطينا إيماناً بوجوده من خلال المنهج. . ونحن قبل البلاغ نعرف أن هناك قوة خالقة لا نعرف