وقوله:{نَّطْمِسَ وُجُوهاً} لأنه سبحانه أوضح: أنا مكرمكم وجعلت لكم سمات تميزكم، بشكلها: حواجب، وعينين، وأنفاً جميلاً، وفَماً، بحيث إنك لو أردت أن تخلق هذه الخلقة، لما استطعت، وسبحانه يعلن: أنا أقدر أن أطمس هذه الوجوه التي تميزكم، بحيث أردها على الأدبار، فيكون الوجه مثل القفا، وتصبح كقطعة اللحم، هذا إن أردنا بقوله:«وجوهاً» ، الوجه الذي في البدن.
وإن أردنا بالوجه «القصد» نقول: الذين يشترون الضلالة، والذين يريدون ان تضلوا السبيل، والذين يحرفون الكلام عن مواضعه، والذين يقولون:«راعنا» ، والذين يقولون:«اسمع غير مسمع» . أليس لهم وجهة؟ وما وجهتهم في هذا الموقف وما قصدهم؟
إن قصدهم هو صرف أنفسهم وصرف الناس عن اتباع محمد، فكأنه يقول لهم: بادروا وآمنوا قبل أن نطمس ونمحو قصدكم فلا يصل إلى منتهاه مِنْ صدكم عن الإيمان برسول الله، الحقوا أنفسكم قبل أن يحدث ذلك ونلعنكم ونطردكم من رحمتنا، ولذلك نجد سيدنا عبد الله بن سلام عندما سمع الآية، ذهب إلى رسول الله ويده على وجهه وقال: والله لقد خفت قبل أن أسلم أن يُطْمس وجهي.
وهذا دليل على أنه آمن بأن الذي قال هذا الكلام قادر على الإنفاذ. وفي عهد سيدنا عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - نجد كعب الأحبار يذهب له، ولم تكن الآية قد بلغته، فلما بلغته ذهب إلى سيدنا عمر وهو واضع يده على وجهه خائفاً أن يُطمس وجهه قبل أن يعلن إسلامه. وذلك دليل على يقينه من أن الذي قال هذا الكلام قادر على الإنفاذ.
وقد يقول قائل: ولكنْ منهم أناس لم يؤمنوا ولم يحدث لهم هذا الطمس. نقول: أهو قال سنطمس الوجوه فقط؟ لا، بل قال أيضاً:{أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّآ أَصْحَابَ السبت} ويكفي أن هناك أناساً اعتقدوا أن الطمس قد يجيء وهم من وجوه أهل الكتاب ومن أحبارهم، فالذين آمنوا برسول الله من هؤلاء كانوا يعلمون كيد اليهود، فسيدنا عبد الله بن سلام قبل أن يسلم قال لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: