للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وجوده عن أمره، فإذا وعد بشيء فلا بد أن يحدث، فأمر الله غير أوامر البشر، فأوامر البشر هي التي تتخلف أحياناً سواء أكانت وعداً أم وعيداً، لأنك قد تعد إنساناً بخير، ولكنك ساعة آداء الخير لا تستطيعه، فتكون قدرتك هي التي تحتاج إلى أداء الخير. أو توعد إنساناً وتهدده بشرّ، وستعمل فيه كذا غداً، وقد يأتيك غداً مرض يقعدك فلا تستطيع إنفاذ وعيدك.

إذن فأنت قد لا تستطيع إنفاذ شيء من وعدك ولا شيء من وعيدك؛ لأن قدرتك من الأغيار، وما دامت قدرتكم من الأغيار فقد توجد أو لا توجد. لكن الحق سبحانه وتعالى إذا قال بوعد أو قال بوعيد أيوجد شيء يغير هذا؟ لا. إذن فساعة يقول ربنا بوعد أو وعيد فاعرف أن هذا سيحدث في الوعد، أما في الوعيد فإن الله قد يتجاوز عنه كرما وفضلا ما عدا الشرك بالله.

ونعرف أن الحق سبحانه وتعالى يوزع الأحداث على الزمن، فلا زمن يقيده؛ لأنه يملك كل الزمن، أما أنت كواحد من البشر فتتكلم عن الحدث حسب زمانه. فإن كان هناك حدث قد حصل قل أن تتكلم أنت عنه، فتقول: فعل «ماض» . أي أن الحدث قد وقع في زمن قبل زمن تكلمك، وإن كان الحدث يقع في وقت تكلمك، كان الفعل «مضارعا» ، والمضارع صالح للحال وللاستقبال، تقول: فلان يأكل.

وذلك يعني أنه يأكل الآن. وإن قلت: «سيأكل» - أي أنه سيأكل بعد قليل، فإذا قلت عن أمر مستقبل إن هذا الأمر سيحدث، أتملك أنت أن يحدث؟ لا. إذن فالكلام منك على الاستقبال قد يكذب وقد يصدق، لكن إذا قال الحق وأخبر عن أمر مستقبل وعبّر عنه بالفعل الماضي فمعنى ذلك أنه حادث لا محالة؛ ولذلك فالزمن عند ربنا مُلغى.

وعندما نقرأ قول الحق سبحانه وتعالى: {أتى أَمْرُ الله فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ} [النحل: ١] .

«وأتى» هذه فعل ماض، وقوله: «أتى» يدل على أنه أمر قد حدث قبل أن يتكلم، وقوله: {فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ} دلّ على أنه لم يحدث، فالذي يشكك في القرآن يقول: ما هذا الذي يقوله القرآن.؟ يقول: «أتى» وهو لم يأت؟ . . نقول له: هذا الكلام عندك أنت. لكن إذا قال الله: إنه «أتى» فهو آتٍ لا محالة، فاحكم

<<  <  ج: ص:  >  >>