وعرفوا عن الله ترتيب مواكب رسله، فيريد الحق سبحانه أن يقول لهم: أنتم أوتيتم نصيباً من الكتاب فلم تؤدوا حقه، وأيضاً أنكم لو ملكتم الملك فإنكم لن تؤدوا حقه، ولن تعطوا أحداً مقدار نقير وهو النقرة على ظهر النواة، ولذلك قال:{أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الملك فَإِذاً لاَّ يُؤْتُونَ الناس نَقِيراً}[النساء: ٥٣] .
إذن فلا هم في المعنويات والقيم معطون، ولا هم في الماديات معطون. فإذا كانوا قد بخلوا بما عندهم من القيم فهم أولى أن يبلخوا بما عندهم من المادة، وبذلك صاروا قوماً لا خير فيهم أبداً.
ثم يوضح الحق: إذا كان هؤلاء قد أوتوا نصيباً من الكتاب يعرِّفهم سمات الرسول المقبل الخاتم فما الذي منعهم أن يؤمنوا به أولاً ويؤيدوه؟ . لا شك أنه الحسد، على الرغم من أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ جاء مصدقاً لما معهم، إنهم لا شك حسدوا الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، والحسد لا يتأتى إلا عن قلب حاقد، قلب متمرد على قسمة الله في خلقه؛ لأن الحسد كما قالوا: هو أن تتمنى زوال نعمة غيرك، ويقابله «الغبطة» وهي أن تتمنى مثل ما لغيرك، فغيرك يظل بنعمة الله عليه، ولكنك تريد مثلها.
وأنت إن أردت مثلها من الله فلا بد أن تغبطه، والحق يقول:{مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ الله بَاقٍ}[النحل: ٩٦] .
ولذلك يجب أن يكون الناس في عطاء الله غير حاسدين وغير حاقدين. لكن بعض الناس ربما حسدوا غيرهم من الذين يعطيهم الأغنياء رغبة في أن يكون ذلك لهم وحدهم فإنك إن كان عندك كَمٌّ من المال ثم اتصل بك قوم في حاجة فأعطيتهم منه، ربما قال الآخرون ممن يرغبون في عطائك ويأملون في خيرك: إنك ستنقص مما عندك بقدر ما تُعطي هؤلاء؛ لأن ما عندك محدود، ولكن هنا العطاء ممن لا ينفد ما عنده، إذن فيعطيك ويعطي الآخرين ولا ينقص مما عنده شيء.
إذن فالغبطة أمر بديهي عند المؤمن؛ لأنه يعلم أن عطاء الله لواحد لا يمنع أن