منطقة في الجبل وأنت في دار الأغيار، فهل تظل على القمة؟ لا، بل لا بد أن تنزل، فإياك أن تُسرَّ عندما تبلغ المسألة ذروتها؛ لأنه سبحانه وتعالى يوضح: إنكم لا بد أن تأخذوا هذه الدنيا على أنها معبر، والذي يتعب الناس أنهم لا يحددون الغاية البعيدة، بل إنهم يحددون الغايات القريبة.
إن من حمق بعض الناس أن يحزن الواحد منهم على فراق حبيب أو قريب له، وخذها بالمنطق: ما غايتنا جميعاً؟ إنها الموت ونعود إلى خالقنا. وهل عندما نعود إلى خالقنا نحزن؟ لا، بل يجب أن نسر؛ لأننا في الدنيا مع الأسباب، أما بعد أن ننتقل إلى الآخرة فنكون مع المسبب. ففي الدنيا تكون مع النعمة وستصبح بعد ذلك مع المنعم، فما يحزنك في هذا؟ إن هذا يحزنك ساعة أن كنت مع النعمة ولم تُراع المنعم، لكن لو كنت مع النعمة وراعيت المنعمَ لسررت أنك ذاهب للمنعم.
وإن كانت المسألة هي أن تصل إلى المنعم الحق ونكون في حضانته فلماذا الحزن إذن؟ ومن الحمق أن بعض الناس لا تعامل الحق سبحانه وتعالى كما يعاملون أنفسهم.
هب أن إنساناً من غايته أن يخرج من أسوان إلى القاهرة، إذن فالقاهرة هي الغاية. ثم جاء واحد وقال له: سنذهب سيراً على الأقدام، وقال الآخر: أنا سآتي بمطايا حسنة نركبها. وقال ثالث: سآتي بعربة، وقال رابع: سنسافر بطائرة وقال خامس. سنسافر بصاروخ، إذن فكل وسيلة تقرب من الغاية تكون محمودة، وما دامت غايتنا أن نعود إلى الحق فلماذا نحزن عندما يموت واحد منا؟ أنت - إذن - تحزن على نفسك ولا تحزن على من مات، إن الذي يموت بعد أن يرعى حق الله في الدنيا يكون مسروراً لأنه في حضانة الحق ومع المنعم، وأنت مع النعمة الموقوتة إنّه يسخر منك لأنك حزنت، ويقول: انظر إلى الساذج الغافل، كان يريدني أن أبقى مع الأسباب وأترك المسبب!
إننا نجد الذين يحزنون على أحبائهم لا يرونهم في المنام أبداً؛ لأن الميت لا تأتي روحه لزيارة من حزن لأنه ذهب إلى المنعم، وعلى الناس أن تدرك الغاية من الوجود