والجلود والأحاسيس شرحناها من قبل، ونظرية «الحسّ» - كما نعرف - شغلت العلماء الماديين، وأرادوا أن يعرفوا كيف نحسّ؟ منهم من قال: نحن نحسّ بالمخ. نقول لهم: لكن هناك مسائل لا تصل للمخ ونحس بها، بدليل أنه عندما يأتي واحد أمام عيني ويوجه أصبعه ليفتحها ويثقبها يصل أصبعه أغلق عيني أي أن شيئاً لم يصل للمخ حتى أحسّ. وبعض العلماء قال: إن الإحساس يتم عن طريق النخاع الشوكي والحركة العكسية، ثم انتهوا إلى أن الإحساس إنما ينشأ بشعيرات حسية منبطحة مع الجلد؛ بدليل أنك عندما تأخذ حقنة في العضل، فالحقنة فيها إبرة، ويكون الألم مثل لدغة البرغوث يحدث بمجرد ما تنفذ الإبرة من الجلد، وبعد ذلك لا تحس.
إذن فمركز الإحساس في الإنسان هو الشعيرات الحسية المنبطحة على الجلد، بدليل أن ربنا أوضح: أنه عندما يحترق الجلد يمتنع الإحساس، فأنا أبدل لهم الجلد ليستمر الإحساس:{كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ} أي صارت محترقة احتراقاً تاما وتعطلت عن الإحساس بالألم، آتيهم بجلد آخر لأديم عليهم العذاب؛ لأنه هو الذي سيوصل للنفس الواعية فتتألم، إذن فالآية مسّت قضية علمية معملية، لو أن القرآن تعرض لها بصراحة وجاء بصورة في الإحساس تقول: يا بني آدم محلّ الإحساس عندكم الجلد، لما فهموا شيئاً. لكنه تركها لتنضج في العقول على مهل.
{كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ العذاب} . فتكون علّة التبديل للجلود التي أحرقت بجلود جديدة كي يدوم العذاب ويذيل الحق الآية:{إِنَّ الله كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً} والعزيز: هو الذي لا يُغلب ولا تَقدر أن تحتاط من أنه يهزمك أبداً، فقد يقول كافر: لقد تلذذنا بالمعصية مرة لمدة خمس دقائق، ومرة لمدة