وما دامت جنات ففيها شجر ملتف وعالٍ، ونحن نعرف أن الشجر لا بد أن يكون في منطقة فيها مياه؛ لذلك قال:{تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار} لأن ما يجري تحتها قد يكون آتيا من مكان آخر، ويكون منبعها من مكان بعيد وتجري الأنهار تحت جنّتك، وقد تظن أن بإمكان صاحب النبع أن يسدّها على جنتك، فيشرح الحق: لا هي جاءت من تحتها مباشرة.
ويقول الحق عن أهل الجنة:{خَالِدِينَ فِيهَآ} وهو سبحانه وتعالى يخاطب قوماً شهدوا بعض النعيم في دنياهم من آثار نعمة عليهم، لكنهم شهدوا أيضاً أن النعمة تزول عن الناس، أو شهدوا أناساً يزولون عن النعمة، فقال سبحانه عن جنة الآخرة:{خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً} فلا هي تزول عنهم ولا هم يزحزحون عنها.
ويعطينا سبحانه أيضاً صورة من النعيم الذي يوجد عندنا في الدنيا لكنه يزول أيضاً أن نزول نحن عنه:{لَّهُمْ فِيهَآ أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ} وأزواج جمع «زوج» ، وعندما يصف الحق سبحانه وتعالى جمعاً فهو يأتي في الصفة بجمع أيضاً مثل قوله:
{وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ}[سبأ: ١٣] .
لأن «قدور» جمع «قِدر» ولم يقل هنا: وأزواج مطهرات وجاء بها مفردة لأن الرجل في الدنيا قد يتزوج بأكثر من واحدة فينشأ بين الزوجات المتعددات ظلال الشقاق فكأنهن متنافرات، فقال: إنهن كلهن سيكنَّ أزواجاً على صورة واحدة من الطهر، وليس في أي منهن ما يعكر صفو الأزواج كما يكون الأمر في الدنيا، ولا يقولن واحد:«كيف تقبل المرأة أن يكون لها ضرَة في الآخرة؟» لأن الحق سبحانه نزع من الصدور كل ما كان يكدر صفو النفوس في الدنيا فقال: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ}[الأعراف: ٤٣] .