والشاعر هنا يصف الموقف حين يسير الإنسان في صحراء ثم ينزل في وادٍ به دوح وهذا الدوح يَحنو على الإنسان حنو الأم على طفلها في سن الفطام. وأنه قد سقاهم من مائة ما يلذ. وتصد الشمس عنهم الأشجار الكثيفة ولكن النسيم يمر بين أوراق الشجر. وهكذا نفهم أن كلمة «ظل ظليل» ، أي أن الظل في ذاته مظلل.
وبعد أن تكلم الحق عن الغايات التي تنتظر الصنفين من خلقه: الصنف الذي يتأبى على منهج الله، والصنف الذي يتطامن لمنهج الله: الصنف الأول أعد له الله النار التي تشوي جلوده ويبدله جلوداً غيرها ليذوق العذاب، والصنف المؤمن الذي أعد الله له الجنة ذات المواصفات المذكورة. وبعدما يجعل الغاية واضحة في ذهننا من الكلام عن النار والكلام عن الجنة يلفتنا إلى حكم جديد؛ لأن النفس تكون كارهة للنار ومحبة للجنة، وعندما يأتي حكم جديد تتعلق النفس به وتنفذه؛ لأنها قريبة العهد، بالترهيب من النار والترغيب في الجنة، فيجعل الحق هذا الأمر مرة تذييلاً لما تقدم، ومرة أخرى يجعله تمهيداً لما يأتي؛ كي تستقبل الأحكام الجديدة في ذهنك وتتضح لك الغاية التي تنتظر مَن التزم، والغاية التي تنتظر من انحرف.
وعندما يأتي الحكم والغاية متضحة في الذهن ومهيئة للإنسان فالتكليف يوضع في بؤرة الشعور؛ لأن هناك حاجات كثيرة تعلمها النفس البشرية، ورحمة الله بالخلق أن هذا الرأس الذي فيه حافظة، وفيه ذاكرة، وفيه مخيلة، لا يقدر أن يستوعب كل المعلومات في بؤرة الشعور مرة واحدة، ولا يمكن أن يجيء لك معنى جديد إلا إذا تزحزح المعنى الذي كنت مشغولاً به في ذهنك قليلاً عن بؤرة الشعور وذهب إلى حاشية الشعور، فإن بقي المعنى في مكان فلن يأتي لك خاطر جديد.