وهو القرآن؛ {وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ} ، وهو التوراة والإنجيل و {يُرِيدُونَ} بعد ادعاء الإيمان؛ {أَن يتحاكموا إِلَى الطاغوت} ، والتحاكم إلى شيء هو: الاستغاثة أو اللجوء إلى ذلك الشيء لينهي قضية الخلاف. فعندما نقول:«تحاكمنا إلى فلان» ، فمعنى قولنا هذا: أننا سئمنا من آثار الخلاف من شحناء وبغضاء، ونريد أن نتفق إلى أن نتحاكم، ولا يتفق الخصمان أن يتحاكما إلى شيء إلا إذا كان الطرفان قد أجهدهما الخصام، فهما مختلفان على قضية، وأصاب التعب كُلاًّ منهما.
{يُرِيدُونَ أَن يتحاكموا إِلَى الطاغوت} . «الطاغوت» - كما عرفنا - هو الشخص الذي تزيده الطاعة طغياناً، فهناك طاغٍ أي ظالم، ولما رأى الناس تخافه استمرأ واستساغ الظلم مصداقاً لقول الحق:{فاستخف قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ}[الزخرف: ٥٤] .
وهذا اسمه «طاغوت» مبالغة في الطغيان. والطاغوت يطلق على المعتدى الكثير الطغيان سواء أكان أناساً يُعبدون من دون الله ولهم، تشريعات ويأمرون وينهون، أم كان الشيطان الذي يُغري الناس، أم كان حاكماً جبّاراً يخاف الناس شرّه، وأي مظهر من تلك المظاهر يعتبر طاغوتاً. وقالوا: لفظ الطاغوت يستوي فيه الواحد والمثنى والجمع فتقول رجل طاغوت، ورحلان طاغوت، ورجال طاغوت، يأتي للجمع كقوله الحق:{الله وَلِيُّ الذين آمَنُواْ يُخْرِجُهُمْ مِّنَ الظلمات إِلَى النور والذين كفروا أَوْلِيَآؤُهُمُ الطاغوت}[البقرة: ٢٥٧] .
ويأتي للمفرد كقوله الحق:
{وَقَدْ أمروا أَن يَكْفُرُواْ بِهِ}[النساء: ٦٠] .
إذن فمرة يأتي للجمع ومرة يأتي للمفرد، وفي كل حكم قرآني قد نجا سبباً