لا يُصد عنه قادم، يأتي فيجلس حيث ينتهي به المجلس، فالذي يريد النبي دائما يستمر في جلوسه، والذي يريد أن يراه كل فترة يأتي كلما أراد ذلك فثوبان مولى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كان شديد الحب لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، قليل الصبر عنه، فأتاه يوما ووجهه متغير وقد نحل وهزل جسمه، وعُرِف الحزن في وجهه، فسأله النبي قائلا: ما بك يا ثوبان؟ فقال والله ما بي مرض ولا علة، ولكني أحبك وأشتاق إليك، وقد علمت أني في الدنيا أراك وقتما أريد، لكنك في الآخرة ستذهب أنت في عليين مع النبيين، وإن دخلت الجنة كنت في منزل دون منزلك، وإن لم أدخل فذاك حين لا أراك أبدا.
ونص الحديث كما رواه ابن جرير - بسنده - عن سعيد بن جبير قال:«جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وهو محزون - فقال له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:» يا فلان مالي أراك محزوناً «؟ فقال: يا نبي الله شيء فكرت فيه فقال:» ما هو «؟ قال: نحن نغدو عليك ونروح ننظر إلى وجهك ونجالسك، وغدا تُرفع مع النبيين فلا نصل إليك، فلم يرد عليه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - شيئاً فأتاه جبريل بهذه الآية:» ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين «. . فبعث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إليه فبشره.
وكيف يأتى هذه على البال؟! إنه إنسان مشغول بمحبته لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ؛ وفكر: هل ستدوم له هذه النعمة؟ وتفكر في الجنة ومنازلها وكيف أن منزلة الرسول ستعلو كل المنازل.
وثوبان يريد أن يطمئن على أن نعمة مشاهدته للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لن تنتهي ولن تزول منه، إنه يراه في الدنيا، وبعد ذلك ماذا يحدث في الآخرة: فإما أن يدخل الجنة أو لا يدخلها، إن لم يدخل الجنة فلن يراه أبداً. وإن دخل الجنة والنبي في مرتبة ومكانة عالية. فماذا يفعل؟
انظر كيف يكون الحب لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، فالله سبحانه وتعالى يلطف بمثل هذا المحب الذي شغل ذهنه بأمر قد لا يطرأ على بال الكثيرين، فيقول الحق سبحانه وتعالى تطمينا لهؤلاء:{وَمَن يُطِعِ الله والرسول فأولئك} أي المطيعون