تصرفاته، فسيلتزم في البعض ويترك البعض، ولو لم تتدخل المساء بمنهج قويم لصار العالم متعبا.
وكيف يتعب العالم؟ إن العالم يتعب إذا تعطلت فيه مناهج الحق الذي استخلفنا في الأرض. فتطغى مظاهر الجبروت والقوة على مظاهر الضعف. ويتحكم في كل إنسان هواه.
وفي عالمنا المعاصر نرى حتى في الأمم التي لا تؤمن بدين لا تترك شعوبها لهوى أفرادها، بل ينظمون الحياة بتشريعات قد تتعبهم، ووضعت الأمم غير المتدينة لنفسها نظاما يحجز هوى النفس، ونقول لهم: أنتم عملتم على قدر فكركم، وعلى قدر علمكم بخصال البشر، وعلى قدر علمكم بالطبائع وأنتم تجنيتم في هذه؛ لأنكم تقننون لشيء لم تخلقوه بشيء لم تصنعوه.
وأصل التقنين: أن تقنن لشيء صنعته، كما قلنا: إن الذي يضع برنامج الصيانة لأي آلة هو من صنع الآلة، فالذي صَنَع التليفزيون أيترك الجزار يضع قانون للتليفزيون برنامج الصيانة؟ لا، فمن صنع التليفزيون هو الذي يضع قانون صيانته، فما بالنا بالذي خلقنا؟ إنه هو الذي يضع قانون صيانتي: ب «افعل ولا تفعل» ، فأنتم يا بشر تتحكمون في أشياء بأهواء بعض الناس وتقولون: افعل هذه ولا تفعل هذه، فعلى أي أساس عرفتم شرور المخالفات؟ هل خلقتم أنتم النفس وتعرفون ملكاتها؟ لا. بدليل أنكم تعدلون قوانينكم، ويحدث التعديل - كما قلنا - لأن المشرع يتبين خطأ فيستدرك الخطأ، والمشرع البشرى يخطيء لأنه يقنن لما لم يصنع، فإذا كنا لا نريد أن يظهر خطأ فلنترك التقنين لمن صنع وهو الله.
والتاريخ البشرى يؤكد أن الفساد يطم عندما يتعطل منهج السماء، والسماء تتخل برسالة، وكل رسالة جاءت كان لها خصوم وهم المنتفعون بالشر، وهؤلاء لن يتركوا منهج الله يسيطر ليسلبهم هذه الهيمنة والسيطرة والقهر والجبروت والانتفاع بالشر، بل يحاربون رسالات السماء، ويلفتنا الحق إلى أن أهل الشر والناس المنفلتين من مناهج السماء وغير المتدينين، سيسببون لكم متاعب، فبعدما توطنون أنفسكم التوطين الإيماني انتبهوا إلى خصومكم وإلى أعدائكم في الله لقد قال الحق سبحانه وتعالى في هذه القضية: