للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والحق قد وصف الحياة بأنها «الدنيا» ولا يوجد وصف أدنى من هذا، فأوضح المسألة: إنك ستعطي الدنيا وتأخذه الآخرة، فإذا كان الذي تأخذه فوق الذي تعطيه فالصفقة - إذن - رابحة، فالدنيا مهما طالت فإلى نهاية، ولا تقل كم عمر الدنيا، لأنه لا يعنيك أن يكون عمر الدنيا ألف قرن، وإنما عمر الدنيا بالنسبة لكل فرد: هو مقدار حياته فيها، وإلا فإن دامت لغيري فما نفعي أنا؟ .

إذن فقيمة الدنيا هي: مقدار عمرك فيها، ومقدار عمرك فيها مظنون، وعلى الرغم من ارتفاع متوسطات الأعمار في القرن العشرين، لكن ذلك لا يمنع الموت من أن يأخذ طفلاً، أو فتى، أو رجلاً، أو شيخاً.

إن عمر الدنيا بالنسبة لكل إنسان هو: مقدار حياته فيها، فلا تقارنها بوجودها مع الآخرين، إنما قارنها بوجودها معك أنت، وهب أنه متيقن ولكنه محدود بسبعين عاماً على سبيل المثال، ستجد أن تنعمك خلالها مهما كبر وعظم فهو محدود.

والإنسان منا يظل يُربَّى إلى أن يبلغ الحُلُم. فإذا ما بلغ الحُلُم وأصبحت له حياة ذاتية، أي أن إرادته لم تعد تابعة للأب أو للأم، بينما في طفولته كان كل اعتماده على أسرته، أبوه يأتي له بالملبس فيلبسه؛ وبالمطعم فيأكله، ويوجهه فيتوجه، لكن حينما توجد له ذاتية خاصة يقول لأبيه: هذا اللون لا يعجبني {والأكل هذا لا يعجبني} ! هذه الكلية لن أذهب إليها. ولا توجد للإنسان ذاتية لا إذا وصل إلى مرحلة من العمر يستطيع أن ينسل مثله، فإذا ما أصبح كذلك نقول له: هذا هو النضج، وهو الذي يجعل لك قيمة ذاتية.

إنك إذا زرعت شجيرة بطيخ. فأنت ترعاها سقياً وتنظيماً وتسميداً، وهي مازالت صغيرة وتتعهدها كي لا تخرج مشوهة، حتى تنضج، وساعة تنضج يكون الشغل الشاغل قد انتقل من الشجيرة إلى الثمرة «البطيخة» فيقال صار لها ذاتية؛ لأنك إن شققتها لتأكلها تجد «اللب» قد نضج، وإن زرعته تأتي منه شجيرة أخرى.

<<  <  ج: ص:  >  >>