وإن أردت أنا أن أطيل الزمن أكثر فإني أقول:«إن حضرت إليّ فسوف أكرمك» . إذن فنحن أمام ثلاث مراحل لترتيب الجزاء على الفعل: جزاء يأتي بعد فور حصول الشرط، وجزاء يأتي بعد زمن يسير تؤديه «السين» ، وجزاء يأتي بعد زمن أطول تؤديه. «سوف» .
ولم يقل الحق: من يقاتل في سبيل الله نؤتيه أجراً عظيماً، ولم يقل: فسنؤتيه أجراً عظيما، ولكنه قال:{فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} وهذا القول سيبقى ليوم القيامة؛ لذلك كان لا بد أن تأتي «سوف» هنا، وهذا دليل على أنه جزاء موصول لا مقطوع ولا ممنوع.
وهكذا نرى إحكام الأداء القرآني، والحق سبحانه وتعالى حين يتكلم عن نفسه وذاته، يأتي بأساليب كثيرة: فمرة يأتي بأسلوب الجمع، ونحن نقول، كما علمونا في النحو:«النون للتعظيم» كما في قوله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر: ٩] .
لم يقل: أنا أنزلت. . فكل شيء يكون نتيجة فعل من أفعال الله. تأتيه «نون التعظيم» ؛ لأنه سبحانه حين يصنع شيئاً لخلقه من متعة أو من نعيم، يريد صفات كثيرة: قدرة للإبراز، وعلما لترتيب النعمة، وتدبيرا وحكمة، وبسطا، فيقول هنا:«نؤتيه» ، لأن الصفات تتكاتف لتعمل الخير، لكنه حين يتكلم عن ذاته مجرداً عن الفعل. فسبحانه يتكلم بالوحدانية مثل قوله الحق:{إنني أَنَا الله لا إله إلا أَنَاْ فاعبدني}[طه: ١٤] .
وكذلك قوله الحق:{وَأَنَا اخترتك فاستمع لِمَا يوحى}[طه: ١٣] .