إن الحق - سبحانه - يلفتنا وينبهنا إلى ذلك فيترك في بعض ماديتنا أشياء لا يستطيع العلماء بالطب ولا المجاهر أن يعرفوا كنهها وحقيقتها، فنحن لا نعرف - مثلاً - الفيروس المسبب لبعض الأمراض.
فإذا كان الله قد جعل للإنسان روحاً يهبه بها الحياة، فلماذا لا نتصور أن للموت حقيقة، فإذا ما تسلل للإنسان فإنه يسلب الروح منه، وبذلك نستطيع أن نفهم قول الحق سبحانه وتعالى في سورة الملك:{تَبَارَكَ الذي بِيَدِهِ الملك وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الذي خَلَقَ الموت والحياة لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}[الملك: ١ - ٢] .
إذن فالموت ليس عملية سلبية كما يتوهم بعض الناس، بل عملية إيجابية، وهو مخلوق بسرّ دقيق للغاية يناسب دقة الصانع. ووصف الحق أمر الموت والحياة في سورة الملك وقدم لنا الموت على الحياة؛ مع أننا في ظاهر الأمر نرى أن الحياة تأتي أولاً ثم يأتي الموت. لا، إن الموت يكون أولاً، ومن بعده تكون الحياة. فالحياة تعطي للإنسان ذاتية ليستقبل بها الأسباب المخلوقة، فيحرث الأرض أو يتاجر في الأشياء أو يصنع ما يلائم حياته ويمتع به السمع والبصر، فيظن أن الحياة هي المخلوقة أولاً.
ينبهنا ويوضح لنا الحق: لا تستقبل الحياة إلا إذا استقبلت قبلها ما يناقض الحياة، فيقول لنا عن نفسه:{الذي خَلَقَ الموت والحياة} وهذا ما يسهل علينا فهم الحديث القدسي الشريف الذي يشرح لنا كيف يكون الحال بعد أن يوجد أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار ويأتي الحق سبحانه بالموت في صورة كبش ويذبحه.
عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - قال: «قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: يؤتى بالموت يوم القيامة، فيوقف على الصراط، فيقال: يا أهل الجنة فيطلعون خائفين وَجِلِين أن يخرجوا من مكانهم الذي هم فيه. فيقال: هل تعرفون هذا؟ قالوا: