للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إن الله خلق الكون وخلق القانون والنواميس ليدلنا على أنه موجود. ولا تزال يده في الكون. فإذا حدثت حادثة فلا بد أن نلتمس لها حكمة.

والحكمة خرق وخروج عن النواميس يلفت إلى أن فوق ميكانيكية العالم وقوانينها قوة أخرى تقول لها: «تعطلي» .

ولذلك فمعجزات بعض الرسل من هذا اللون، فطبيعة النار أنها تحرق، ولكنها لم تحرق سيدنا إبراهيم عليه السلام. أكان مراد الحق سبحانه وتعالى أن ينجِّىَ إبراهيم من النار؟ لو كان مراده هو نجاة إبراهيم من النار فحسب لما مَكَّن خصومه من أن يمسكوه. وبعد أن أمسك خصوم سيدنا إبراهيم به، وأشعلوا النار وأججوها. كان باستطاعة الحق سبحانه أن يأتي بغمامة لا قدرة لخصوم إبراهيم عليها وتمطر مطراً تطفئ النار. لا. فقد أراد الله النار ناراً متأججة وأن يقدر خصوم إبراهيم عليه ويمسكوا به ولا تنطفئ النار، وأن يلقوه في النار، وبعد ذلك يوضح الحق:

أنا أزاول سلطاني في الناموس؛ لأني خالق الناموس وأعطله متى شئت، «يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم» . أما لو حدثت المسألة الأولى وانطفأت النار، لقالوا: آه لو لم تنطفئ النار، وآه لو لم ينزل الماء على النار.

إن الحق أراد أن يدحض كل دعاوي الخصم. فعندما تحدث أحداث لا دخل للإنسان فيها نقول: دعها لحكمة الخالق لأنه يريد أن يلفت الخلق إلى أنه صاحب اليد العليا في الكون. فميكانيكية الكون تحير العقول؛ لأنها مضبوطة بدقة، ولكنها لم تفلت من يد ربنا. ولذلك نرى في بعض الأحيان رياحاً عنيفة تثير الغبار فلا يرى الإنسان شيئاً على الإطلاق. ومعنى ذلك أن الذرات تراكمت وتراكبت حتى صارت جداراً، ويحدث ذلك مهما حاولت الأجهزة العلمية التحكم في ذلك أو منعه.

ومن العجيب أن الحق يترك لنا لذعة تقول: لقد كرمتك بالعقل ولكني لم أدع لك كل الفهم، فقد يوجد صاحب غريزة لا عقل له ويكون أقدر على فهم الأشياء منك أيها الإنسان.

<<  <  ج: ص:  >  >>