وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً} إذن فلم يعد للسماء استدراك على هذه الرسالة، فكيف يأتي بعد ذلك إنسان معاصر أو غير معاصر ليقول: لا، إننا نريد أن نستدرك كذا أو نقول: الحكم كذا أو هذا الحكم لا يلائم العصر إذا كان الله لم يجعل للسماء استداركاً على الرسالة لأن الله أكملها وأتمها فكيف يسوغ للبشر أن يكونوا مستدركين على الرسالة؟
إن الرسول حين يضاف، يضاف مرة إلى الله، ويضاف مرة إلى المرسل إليهم؛ لأنه واسطة التعلق بين المُرْسِل والمْرسَل إليه، فإن أردت الإضافة بمعنى «مِن» الابتدائية؛ تقول: رسول الله، أي رسول مِن الله.
وإن أردت الغاية من الرسالة تقول: رسول إلى الناس أو رسول للناس. إذن فالإضافة تأتي مرة بمعنى «من» وتأتي مرة بمعنى «اللام» ، وتأتي مرة بمعنى «إلى» .
وأمر الرسالة ضروري بالنسبة للبشر؛ لأن الإنسان إذا ما استقرى وتتبع الوجود كله بفطرته وبعقله السليم من غير أن يجيء له رسول، فإنه يهتدي بفطرته إلى أن ذلك الكون لا يمكن أن يكون إلا عن مُكَوِّن له قدرة تناسب هذه الصفة المحكمة البديعة. ولا بد أن يكون قيوماً لأنه يمدنا دائماً بالأشياء، لكن أنعرف بالعقل ما تريد هذه القدرة؟ نحن ننتهي فقط إلى أن وراء الكون قوة، هذه القوة لها من القدرة والحكمة والعلم والإرادة وصفات الكمال ما يجعلها تخلق هذا الكون العجيب على تلك الصورة البديعة ذات الهندسة الدقيقة، وهذا الكون له غاية. أيمكن - إذن - للعقل أن يضع اسماً لهذه القوة؟ فكونها قوة يستلزم أن يكون لها قدرة وحكمة، لكنا لا نعرف اسمها، فكان ولا بد أن يجيء رسول، هذا الرسول يعطي للناس جواب ما شغلهم وهو: ما القوة التي خلقت هذا الكون وجعلته بهذه الصنعة العجيبة.
ويقف العقل هنا وقفة، فعندما يأتي الرسول ويقول: أنا أدلكم على هذه القوة اسماً ومطلوباً، كان يجب على الخلق أن يرهفوا آذانهم له؛ لأنه سيحل لهم ذلك اللغز الذي رأوه بأنفسهم وأوقعهم في الحيرة - المؤمن منهم والكافر يؤمن بهذا - لأنه يجد نفسه في كون تخدمه فيه أجناس أقوى منه، ولا تتخلف عن خدمته أبداً،