وهييء لهم ذلك في قول الحق:{وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ولكن الله رمى}[الأنفال: ١٧] .
و «ما رميت» هو نَفَي «الرمي» ، و «إذ رميت» أَثْبت «الرمي» وجاء القرآن بالفعل وهو «رميت» ، والفاعل هو «رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ» فكيف يثبت الفعل مرة وينفيه مرة في آية واحدة؟ ونقول لهم: لأنكم ليس عندكم ملكة العربية قلتم هذا الكلام، أما من عنده ملكة العربية وهي أصيلة وسليقة وطبيعة وسجية فيه، فقد سمع الآية ولم يقل مثل هذا الكلام، مما يدل على أنه فهم مؤداها.
ثم لماذا نبتعد ونقول من أيام الجاهلية، لنأخذ من حياتنا اليومية مثلاً، أنت إذا ما جئت مثلاً لولدك وقلت له: ذاكر لأن الامتحان قد قرب، وأنا جالس معك لأرى هل ستذاكر أو لا. فيأخذ الولد كتابه ويجلس إلى مكتبه وبعد ذلك يفتح الكتاب ويقلب الأوراق ويهز رأسه. وبعد مدة تقول له: تعال انظر ماذا ذاكرت. فتمسك الكتاب وتسأله سؤالين فيما ذاكر. . فلا يجيب، فتقول له: ذاكرت وما ذاكرت. أي أنك فعلت شكلية المذاكرة، ولا حصيلة لك في موضوع المذاكرة.
قولك:«ذاكرت» هو إثبات للفعل، وقولك:«وما ذاكرت» هو نفي للفعل. فإذا جاء فعل من فاعل واحد مثبت مرة ومنفي مرة من كلام البليغ. فاعلم أن جهة الإثبات غير جهة النفي.
وقوله الحق:{وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ} فكأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عندما جاء إلى المعركة أخذ حفنة من الحصى، وجاء ورمي بها جيش العدو.
إذن فالعملية الشكلية قام بها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، لكن أَلِرَسول الله قدرة أن يُرسل الحصى إلى كل جيش العدو؟ إن هذه ليست في طاقته، فقول الحق:{وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ولكن الله رمى} . أنت أخذت شكلية الرمي، أما موضوعية الرمي فهي لله سبحانه وتعالى.
ويأتي مثلاً في آية أخرى يقول:{ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ}[الروم: ٦] .