للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اعتكافه عشر سنين، ومن اعتكف يوما ابتغاء وجه الله تعالى جعل الله بينه وبين النار ثلاثة خنادق أبعد مما بين الخافقين» .

ذلك لأن العبد الذي سعى في قضاء حاجة أخيه يكون قد أدى حق نعمة الله فيما تفضل به عليه، ويكون من أثر ذلك أنه لا يسخط أو يحقد غير الواجد للموهبة على ذي الموهبة. وبذلك فسبحانه يزيل الحقد من نفس غير الموهوب على ذي الموهبة؛ فغير الموهوب يقول: إن موهبة فلان تنفعني أنا كذلك، فيحبّ بقاءها عنده ونماءها لديه.

ويقول الحق: {مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا} ثم يأتي الحق بالمقابل، فهو سبحانه لا يشرع للأخيار فقط، ولكنه يضع الترغيب للأخيار ويضع الترهيب للأشرار، فيقول: {وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا} .

ولنر المخالفة والفارق بين كلمة «النصيب» وكلمة «الكفل» . كلمة «النصيب» تأتي بمعنى الخير كثيرا. فعندما يقول واحد: أنت لك في مالي نصيب.

هذا القول يصلح لأي نسبة من المال. أما كلمة «كفل» فهي جزء على قدر السيئة فقط. وهذا هو فضل من الله، فمن جاء بالحسنة فله عشر أمثالها، وهذا نصيب كبير. ومن جاء بالسيئة فلا يجزي إلا مثلها.

وهذه الآية قد جاءت بعد تحريض الرسول للمؤمنين على القتال، أي أنك يا رسول الله مُطالب بأن تضم لك أناساً يقاتلون معك؛ فتلك شفاعة حسنة سوف ينالون منها نصيباً كبيرا وثوابا جزيلا.

أما قول الحق: {وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا} أي يكون له جزء منها، أي يصيبه شؤم السيئة، أما الجزاء الكبير على الحسنة فيدفع إلى إشاعة مواهب الناس لكل الناس. وما دامت مواهب الناس مشاعة لكل الناس فالمجتمع يكون متسانداً لا متعانداً، ويصير الكل متعاوناً صافي القلب، فساعة يرى واحد النعمة عند أخيه يقول: «سيأتي يوم يسعى لي فيه خير هذه النعمة» .

<<  <  ج: ص:  >  >>