أما كان أبو لهب يقدر أن يقول بعدها: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؟ كان يقدر، ولو قالها لشكك في هذه الآية، ولقالوا: إنه لن يصلي ناراً ذات لهب. إن هذا الأمر كان له فيه اختيار، ولم يوفقه الله إلى أن يقولها ولو نفاقاً، لماذا؟ لأن الحق قال بعد هذه الآية مباشرة:{قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ}[الإخلاص: ١] .
أي فليس إله آخر يرد أمره سبحانه وتعالى:{الله لا إله إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إلى يَوْمِ القيامة} . وكلمة «يجمع» تعني أنه يخرجنا مع بعضنا من قبورنا جميعا، ويحشرنا جميعاً أمامه، وقد تعني «ليجمعنكم» أي ليحشرنكم من قبوركم لتلقي جزاء يوم القيامة.
لماذا جاء هذا القول؟ جاء لكي يتفحصه العاقل، فلا يأخذ انفلات نفسه من منهج الله إلا بملاحظة الجزاء على الانفلات من المنهج، فلو أخذ نفسه منفلتاً عن منهج الله بدون أن يقدر الجزاء لكان أحمق وأخرق.
ولذلك قلنا: إن الذين يسرفون على أنفسهم في المعصية لا يستحضرون أمام عيونهم الجزاء على المعصية. ولذلك يقولون كل الجرائم إنما تتم في غفلة صاحبها عن الجزاء؛ فالمجرم يرتكب جريمته وهو مقدر السلامة لنفسه، والسارق يذهب إلى السرقة وهو مقدر السلامة، لكن لو وضع في ذهنه أنه من الممكن أن يتم القبض عليه لما فعلها أبدا.
والحق سبحانه وتعالى يوضح: إياك يا من تريد - بالاختيار الذي أعطيته لك - الانحراف عن منهجي أَلاَّ تقدر الجزاء على هذه المخالفة. بل عليك أن تأخذها قضية واضحة، واسأل كم ستعطيك المعصية من نفع وكم سيعُطيك الله من خير على الطاعة، وضع الاثنين في كفتي ميزان؛ فالذي يعطيك الخير الأبقى افعله، وابتعد عما لا يعطيك الخير بل إنه يوقعك في الشقاء والشر.