لجريمة. إذن فحتى المختار لم يفعل اختياره إلا من باطن أن الله خلقه مختاراً.
لكن هل ألزمه الحق سبحانه وتعالى يفعل المعصية؟ لا، فسبحانه أوضح لك: هذا لا أحبه، وهذا أحبه.
واختيارك له مجال، ولك أن تختار الشيء الذي يأتي بالنفع ولا يأتي بالضرر أو أن تختار عكس ذلك.
{الله لا إله إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إلى يَوْمِ القيامة لاَ رَيْبَ فِيهِ} هذا خبر من الله. والكلام الخبري عندنا يحتمل الصدق والكذب لذاته، لكن لأن الخبر من الله فهو صادق. أما الكلام في ذاته فيحتمل الصدق ويحتمل الكذب، ولذلك يذيل الحق الآية بما يلي:{وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ الله حَدِيثاً} وهل الصدق فيه تفاضل؟ . ليس في الصدق تفاضل، فمعنى الصدق مطابقة الكلام للواقع، فالإنسان قبل أن يتكلم وهو عاقل، يدير المسألة التي يريد الكلام فيها ليُعمل العقل فيها، وبعد هذا ينطق بالكلام.
إذن ففي الكلام نسبة ذهنية، ونسبة كلامية، ونسبة واقعية، فعندما يقول واحد:«زيد مجتهد» هو قبل أن يقول ذلك جاء في ذهنه أنه مجتهد، وهذه هي «النسبة الذهنية» ، وعندما ينطقها صاحبها تكون «نسبة كلامية» ، ولكن هل صحيح أن هناك واحداً اسمه «زيد» وأنه مجتهد؟ . إن طابقت النسبة الواقعية كُلاًّ من النسبة الذهنية والنسبة الكلامية يكون الكلام صدقاً. وإن لم يكن هناك أحد اسمه زيد ولا هو «مجتهد» لا تتطابق النسبة الخارجية الواقعية مع النسبتين «الذهنية والكلامية» فيكون الكلام كذباً. فالصدق يقتضي أن تتطابق النسبة الكلامية مع الواقع، أي مع النسبة الخارجية الحاصلة.
ولماذا يكذب الكذاب إذن؟ . ليحقق لنفسه نفعاً يفوّته ولا يحققه الصدق في نظره أو يدفع عنه ضُرّاً. مثال ذلك: يكسر الابن شيئاً في المنزل كمنضدة. فالأب يقول لابنه: هل كسرت هذه المنضدة؟ . وينكر الابن: لا ألم أكسرها. هو يريد أن يحقق لنفسه نفعاً أو يدفع عنها ضرراً وهو الإفلات من العقاب، لأنه يعلم أن الصدق قد يسبب له عقاباً. ولا يحمله على الكذب إلا تفويت مضرة قد تصيبه من الصدق فيلجأ إلى الكذب. ويقول كلاماً يخالف الواقع.