{وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ} ونعرف أن كلمة «الكفر» تعني «الستر» ، فالفعل «كفر» معناه «ستر» . ومن عظمة الإيمان بالإسلام وعظمة الحق في ذاته هو أنه لا يمكن أبداً أن يطمسه خصومه، فاللفظ الذي جاء ليحدد المضاد لله هو عينه دليل على الإيمان بالله. فعندما نقول:«كفر بالله» أي «ستر وجوده» ، كأنه قبل أن يستر الوجود فالوجود موجود، ولذلك نجد أن لفظ «الكفر» نفسه دليل على الإيمان، فلفظ «الكفر» في ذاته تعني إيماناً موجودا يجاهد صاحبه نفسه أن يغطيه ويستره.
{وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ} . وهذا القول جاء بعد أن قال الحق:{فَمَا لَكُمْ فِي المنافقين فِئَتَيْنِ}[النساء: ٨٨] .
ويدل على أنهم يوصفون مرة بالمنافقين ويوصفون مرة بالكافرين. وسماهم الله في آية ب «المنافقين» ويصفهم الحق في هذه الآية بأنهم كفروا {وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ} والكفر الذي يجيء وصفه هنا يدل على مكنون القلب، فالنفاق لم يعطهم إلا ظاهريات الإسلام، لكن الباطنيات لم يأخذوها، ولذلك سيكونون في الدرك الأسفل من النار في الآخرة؛ وإن كانوا في الدنيا يعاملون معاملة المسلمين احتراماً لكلمة «لا إله إلا الله محمد رسول الله» .
لكن الله يعاملهم في الآخرة معاملة الكافرين، ويزيد عليها أنهم في الدرك الأسفل من النار.
إذن فأصحاب الباطل إن كانت لهم قوة يجعلون لسانهم مع قلوبهم في الجهر بالباطل، وإن كان عندهم ضعف يجعلون قلوبهم للباطل ولسانهم للحق. وهذه العملية ليست مريحة في كلا الموقعين. فالمريح لهم ألاَّ توجد للحق طائفة. لذلك يقول سبحانه وصفاً لحقيقة مشاعرهم:{وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَآءً} . فهم يتمنون إزالة طائفة الحق حتى لا يكون هناك أحد أفضل من أحد، مثلما نقول: مفيش حد أحسن من حد.
مثال ذلك: نجد مجموعة من الموظفين في مصلحة حكومية، ويكون في بينهم واحد مختلس أو لا يؤدي عمله على الشكل الراقي المطلوب، لذلك فهو لا يحب أن يؤدي الآخرون أعمالهم بمنتهى الإتقان، ويريدهم فاسدين، ويحاول أن يغريهم