وحين نقرأ القرآن نجده يعرض مثل هذه المسألة، فسيدنا نوح عليه السلام عندما تلقى وحي الله بأن يصنع السفينة، وجلس يصنعها ويمر عليه الناس فيسخرون منه فيقول لهم سيدنا نوح: سنسخر منكم غداً كما تسخرون منا. ويأتي له ابن ليس على منهجه، فيدعوه نوح إلى المنهج فيقول الابن:«لا» . ويركب نوح السفينة ويقول لله: لقد وعدتني أن تنجيني أنا وأهلي.
وهنا يوضح الحق: صحيح أنا أنجيك أنت وأهلك، ولكن ما الذي جعلك تعتبر ابنك من أهلك، إن الذوات عند الأنبياء لا نسب لها، إنما نسب الأنبياء الأعمال:{إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ}[هود: ٤٦] .
إن العمل هو الذي يتم تقييمه. ولذلك يقول الحق:{فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَآءَ حتى يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ الله} والهجرة من «هجر» ، و «هجر» يعني أن الإنسان قد عدل من مكان إلى مكان، أو عن ود إلى ود، أو عن خصلة إلى خصلة، والذي يَهجر عادة يتجنى على من «هُجر» ، لنلاحظ أن الله سبحانه وتعالى في كتابه عندما يأتي بالحدث. يأتي ب «هاجر» ، ولم يأت بالحادث «هجر» ، فالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لم يهجر مكة. ولكنه هاجر منها، ويقول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:
«والله إنك لأحب أرض الله إليّ وإنك لأحب أرض الله إلى الله ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت» .
فالهجرة جاءت؛ لأن أهل مكة هجروه أولاً، فاضطر أن يهاجر. و «هاجر» على وزن «فاعل» . والمتنبي يقول:
إذا ترحلت عن قوم وقد قدروا ... ألا تفارقهم فالراحلون همو
ولذلك جاء الحق بالهجرة على صيغة المفاعلة. لقد كرهوا دعوته. واستجاب الرسول للكراهية فهاجر.