كان مطلوباً منهم دية لأن أباه قد قَتَل، وعفا أهل القتيل فلم يأخذوا الدِّية، هذا الطفل سيعرف عندما يَشِبُّ ويعقل الأمور أن كل خير عند أسرته ناتج من هذا العفو وهذه العفّة، فيحدث الود.
إذن فالحق سبحانه وتعالى يريد أن يربب إشاعة المودة والصفاء والنفعية. فإذا ما حزن واحد لفقدان إنسان بالقتل الخطأ قد يأخذ الدية فينتفع، وإن لم يأخذها فهو ينتفع أكثر؛ لذلك يقول الحق:{وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إلى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ} .
وهذا ما يحدث إذا ما قتل مؤمن مؤمناً خطأ في بيئة إيمانية، ولكن ما الذي يحدث عندما يتم قتل مؤمن لواحد من قوم أعداء والمقتول مؤمن ويعيش بين الكفار؟ . ها نحن أولاء نرى عدالة التشريع الإلهي، وحتى نزداد يقيناً بأن الله هو رب الجميع؛ لذلك قال الحق:{فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ} أي كان المقتول من قوم في حالة عداء مع المسلمين فهو لا يستحق الدية؛ لأنه يحيا في قوم كافرين.
هكذا نجد التشريع هنا قد شرع لثلاث حالات: شرع لواحد في البيئة الإيمانية، وشرع لواحد مؤمن في قوم هم أعداء للمؤمنين، وشرع لواحد قد قُتل وهو من قوم متحالفين مع المسلمين. وكل واحدة لها حكم، والحكم في حالة أن يكون القتيل من قوم بينهم وبين المسلمين عداء وهو مؤمن، فتحرير رقبة مؤمنة، وذلك للتعويض الإيماني فينطلق عبد كان محدود الحركة لأنّ هناك مَن مات وانتهت حركته، وفي هذا تعويض للمجتمع عندما تشيع حركة العبد. وماذا نفعل في الدية؟ لا يأخذون الدية؛ لأن الدية موروثة، وهم من الكفار وليس بين الكفار والمسلمين توارث أي فليس هنا دية.
وعندما ننظر إلى قول الحق:{فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ} نجد أن كلمة «عدو» مفردة في ذاتها، ولكنها تشمل كل القوم، وفي اللغة نقول:«هو عدو» و «هما عدو» و «هم عدو» وإن تنوعت عداوتهم فهم أعداء، ولكن عندما يتحد مصدر العداء فهم عدو واحد. والحق يقول:{فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ} ولم يورد سبحانه هنا الدية لأن القوم على عداء للإسلام فلا دية لهم؛ لأنه لا توارث.