للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{تَبْتَغُونَ عَرَضَ الحياة الدنيا فَعِنْدَ الله مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ} والحق سبحانه وتعالى ساعة يخاطب النفس البشرية التي خلقها، ويعلم تعلقها بالأشياء التي تنفعها أو تطيل نفعها، مثال ذلك: أنّ الإنسان يكون سعيداً إذا ما ملك غداءه، وتكون سعادته أكثر إذا امتلك الغداء والعشاء، ويكون أكثر سعادة واطمئنانا عندما يملك في مخزن طعامه ما يقيت شهراً أو عاماً، ويكون أكثر إشراقاً عندما يمتلك أرضاً يأخذ منها الرزق، ويمتلكها أولاده من بعده.

إذن فالإنسان يحب الحياة لنفسه، ويحب امتداد حياته في غيره، ولذلك يحزن الإنسان عندما لا يكون له أولاد؛ فهو يعرف أنه ميت لا محالة، لذلك فهو يتمنى أن تكون حياته موصولة في ابنه، وإن جاء لابنه ابن وصار للإنسان حفيد فهو يسعد أكثر؛ لأن ذكره يوجد في جيلين. ونقول لمثل هذا الإنسان: لنفرض أنك ستحيا ألف جيل، لكن ماذا عن حالتك في الآخرة، أَلاَ تُنَشِّئ ولدك على الصلاح حتى يدعو لك؟

ولذلك يفاجئ الحق النفس البشرية التي تهفو إلى المغانم، ويكشفها أمام صاحبها، فيأتي بالحكم الذي يُظهر الخواطر التي تجول في النفس ساعة سماع الحكم. وعندما أراد سبحانه أن يُحرم دخول المشركين البيت الحرام، وسبحانه يعلم خفايا النفوس؛ لأن المشركين حين يدخلون البيت الحرام بتجاراتهم وأموالهم إنما يدخلون مكة من أجل موسم اقتصادي يبيعون فيه البضائع التي يعيشون من ريعها وربحها طوال العام. وساعة يحرم سبحانه دخول المشركين إلى البيت الحرام، يعلم أن أهل الحرم ساعة يسمعون هذا الحكم سيتذكرون مكاسبهم من التجارة، فقال: {إِنَّمَا المشركون نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ المسجد الحرام بَعْدَ عَامِهِمْ هذا} [التوبة: ٢٨] .

وقبل أن يقول أهل الحرم في أنفسهم: وكيف نعيش ونصرف بضائعنا؟ ، يتابع سبحانه: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ الله مِن فَضْلِهِ} [التوبة: ٢٨] .

<<  <  ج: ص:  >  >>