{إِنَّ الذين تَوَفَّاهُمُ الملائكة ظالمي أَنْفُسِهِمْ} والظلم هو أن تأتي لغير ذي الحق وتعطيه ما تأخذ من ذي الحق، والظلم يقتضي ظالماً ومظلوماً وأمرا وقع الظلم فيه. فكيف يكون الإنسان ظالماً لنفسه وتتوفاه الملائكة على ذلك؟ . لا بد أنهم فعلوا ما يستحق ذلك. فساعة تأتي للإنسان الشخصية المعنوية الإيمانية بعد أن آمن بالله وآمن بالمنهج، ثم تحدثه نفسه بالمخالفة، هنا يواجه صراعاً بين أمرين: مسئولية الشخصية الإيمانية التي تَقَبَّل بها المنهج من الله، ووازع النفس التي تلح عليه بالانحراف.
ويدور ما هو أشبه بالجوار بين المسئولية الإيمانية ووزاع النفس الملح بالانحراف. وعندما تتغلب النفس الإيمانية يعرف الإنسان أن نفسه صارت مطمئنة وسعيدة، ويقول لنفسه: إنك إن طاوعت وازع الانحراف تكن قد حققت شهوة عاجلة ستكْوى بها في آخر الأمر، وأنت برفضك للشهوة تكون قد أنصفت نفسك. ولو طاوعت شهوتك العاجلة تكون قد ظلمت نفسك.
ومثل ذلك يحدث في حياتنا العادية: عندما تدلل الأم ابنها بينما يطلب منه والده الاستذكار ويحاول أن يردعه ليقوم بمسئوليته الدراسية، إن هذه الأم تظلم ابنها، وكذلك يعطينا الحق فكرة عن الصراع بين الشخصية الإيمانية والنفس الانحرافية التي تريد الهوى فقط فيقول:{واتل عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابنيءَادَمَ بالحق إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخر قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ الله مِنَ المتقين}[المائدة: ٢٧] .
هنا يقول هابيل لقابيل:
- ولماذا تقتلني؟ . إنني لست أنا الذي تقبل القربان ولكن الذي تقبله هو الله فما ذنبي؟ .