إن الأب يقف مع المظلوم، ويحاول أن يرضيه، فإن كان الأخ الظالم قد أخذ منه شيئاً يساوي عشرة قروش، فالأب يعوض الابن المظلوم بشيء يساوي مائة قرش. ويعيش الظالم في حسرة، ولو علم أن والده سيكرم أخاه المظلوم لما ظلمه أبداً. إذن فالظلم قمة من قمم الغباء.
ومن ضمن المفارقات التي تروى مفارقة تقول: إن كنت ولا بد مغتاباً فاغتب أبويك. ولا بد أن يقول السامع لذلك: وكيف أغتاب أبي وأمي؟ فيقول صاحب المفارقة: إن والديك أولى بحسناتك، فبدلاً من أن تعطي حسناتك لعدوك، ابحث عمن تحبهم وأعطهم حسناتك. وحيثية ذلك هي: لا تكن أيها المغتاب أحمق لأنك لا تغتاب إلا عن عداوة، وكيف تعطي لعدوك حسناتك وهي نتيجة أعمالك؟
ونعرف ما فعله سيدنا الحسن البصري، عندما بلغه أن واحداً قد اغتابه.
فأرسل إلى المغتاب طبقاً من البلح الرطب مع رسول، وقال للرسول: اذهب بهذا الطبق إلى فلان وقل له: بلغ سيدي أنك اغتبته بالأمس فأهديت له حسناتك، وحسناتك بلاشك أثمن من هذا الرطب. وفي هذا إيضاح كاف لذم الغيبة.
{وَمَن يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ على نَفْسِهِ وَكَانَ الله عَلِيماً حَكِيماً} ونعلم أنه إذا جاءت أي صفة من صفات الحق داخلة في صورة كينونة أي مسبوقة ب «كان» فإياكم أن تأخذوا «كان» على أنها وصف لما حدث في زمن ماضٍ، ولكن لنقل «كان ومازال» . لماذا؟ لأن الله كان أزلاً، فهو غفور رحيم قبل أن يوجد مغفور له أو مرحوم؛ فالله ليس من اهل الأغيار، والصفات ثابتة له؛ لأن الزمن في الأحداث يتغير بالنسبة للأغيار فقط، وعلى سبيل المثال نجد الواحد من البشر صحيحاً في زمن ومريضاً في زمن آخر.
ولذلك لا يخرج الزمن المستقبل عن الزمن الماضي إلا أصحاب الأغيار. وكذلك لا يخرج الزمن المستقبل عن الزمن الحاضر إلا في أصحاب الأغيار. ومادام الله هو الذي يغير ولا يتغير فلن يغيره زمن ما، بل كان في الأزل غفوراً رحيما، ولايزال أيضاً غفوراً رحيماً. وكذلك كان علم الله أزلياً وحكمته لا حدود لها.