عصرنا ب «الأوصياء» حالتان: فإن كانت البنت جميلة وذات مالٍ فالوصي يحب أن ينكحها ليستمتع بجمالها ويستولي على مالها. وإن كانت دميمة فالوصي لا يرغب في زواجها لذلك يعضلها، أي يمنعها من أن تتزوج؛ لأنها إن تزوجت فسيكون الزوج هو الأولى بالمال.
فاحتاجت هذه المسألة إلى تشريع واضح. وها نحن أولاء نجد سيدنا عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - وكانت له الفراسات التي تُسمى الفراسات الفاروقية جاءه واحد يسأله عن أمر يتيمة تحت وصايته، فقال سيدنا عمر:
- إن كانت جميلة فدعها تأخذ خيراً منك، وإن كانت دميمة فخذها زوجة وليكن مالها شفيعاً لدمامتها.
ويقول الحق:{وَمَا يتلى عَلَيْكُمْ فِي الكتاب فِي يَتَامَى النسآء اللاتي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ}[النساء: ١٢٧]
والذي كتب لهن إما أن يكون مهوراً. وإمّا أن يكون تركة، وجاء القول الحكيم ليرفع عن المرأة عسف الولي. وجاء الأمر بهذا الأسلوب العالي الذي لا يمكن أن يقوله غير رب كريم، ونجد مادة «رغب» تعني «أحب» . فإذا ما كان الحال «أحب أن يكون» يقال: «رغب فيه» ، وإذا «أحب ألاّ يكون» فيقال: «رغب عنه» . ولذلك قال الحق:{وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ}[البقرة: ١٣٠]
ومادامت «عن» جاءت كما في الآية فما بعدها هو المتروك. لكن لو كان القول «رغب في» فهو لأمر محبوب. وكلمة «ترغبون» في هذه الآية نجدها محذوفة الحرف الذي يقوم بالتعدية حباً أو كرهاً؛ لأنها تقصد المعنيين.
فإن كانت الرغبة في المرأة. . تصير «ترغبون في» وإن كانت المرأة دميمة وزهد فيها القول يكون: «ترغبون عن» ولا يقدر أحد غير الله على أن يأتي بأسلوب يجمع بين الموقفين المتناقضين. وجاء الحق ليقنن للأمرين معاً.
ويأتي الحق من بعد ذلك بالقول:{والمستضعفين مِنَ الولدان} بجانب اليتيمات