لكن ما الذي يسبق الآخر. الشكر أو الإيمان؟ إن الإيمان بالذات جاء بعد الانتفاع بالنعمة، فعندما جاء الإنسان إلى الكون وجد الكون منظما، ولم يقل له أحد أي شيء عن أي دين أو خالق. ألا تهفو نفس هذا الإنسان إلى الاستشراف إلى معرفة من صنع له هذا الكون؟
وعندما يأتي رسول، فالرسول يقول للإنسان: أنت تبحث عن القوة التي صنعت لك كل هذا الكون الذي يحيط بك، إن اسمها الله، ومطلوبها أن تسير على هذا المنهج. هنا يكون الإيمان قد وقع موقعه من النعمة. فالشكر يكون أولاً، وبعد ذلك يوجد الإيمان، فالشكر عرفان إجمالي، والإيمان عرفان تفصيلي. والشكر متعلق بالنعمة. والإيمان متعلق بالذات التي وهبت النعمة.
{مَّا يَفْعَلُ الله بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ الله شَاكِراً عَلِيماً} والحق سبحانه يوضح لنا: أنا الإله واهب النعمة أشكركم. كيف يكون ذلك؟
لنضرب هذا المثل - ولله المثل الأعلى - أنت اشتريت لابنك بعضا من اللعب، ولم تفعل ذلك إلا بعد ان استوفيت ضرورات الحياة، فلا أحد يأتي باللعب لابنه وهو لم يأت له بطعام أو ملابس.
إذن فأنت تأتي لابنك باللعب بعد الطعام والملبس ليملأ وقت فراغه، وهذا يعني أن الضرورات قد اكتملت. وحين تقول لابنك: إن هذه اللعبة للعب فقط، ستأخذها ساعة تحب أن تلعب، وتضعها في مكانها وقت أن تذاكر، فكل شيء هنا في هذا المنزل له مهمة يجب أن يؤديها. وهذا يعني إنك كوالد تريد أن تؤدب ابنك حتى يلعب بلعبته وقت اللعب ولا يلعب بأي شيء غيرها في المنزل؛ لأنه لو لعب بكل شيء في المنزل فلا بد من أن يكسر شيئا، فلا مجال للعب في التليفزيون أو في الساعة أو الثلاجة أو الغسالة حتى لا تتعطل تلك الأجهزة.
وأنت كوالد تريد أن تفرق بين شيء يلعب به وشيء يُجد به. وأشياء الجد لا توجد إلا عند طلبها فقط؛ فالغسَّالة لا تستخدم إلا ساعة غسل الملابس، والساعة لا نستخدمها إلا لحظة أن نرغب في معرفة الوقت. والثلاجة لا تفتحها إلا ساعة