فإن أباح الله لك أن تجهر بالسوء من القول إذا ظلمك أحدٌ، فقد جعل لك ألاّ تجهر بل تعفو عنه، وغالب الظن أن صاحب السوء يستخزى ويعرف أن هناك أناساً أكرم منه في الخلق، ولا يتعب إنسانٌ إلا أن يرى إنساناً خيراً منه في شيء. وعندما يرى الظَالمُ أن المظلوم قد عفا فقد تنفجر في نفسه الرغبة أن يكون أفضل منه.
إذن فالمبدأ الإيماني:{ادفع بالتي هِيَ أَحْسَنُ} جعله الله مجالاً محبوباً ولم يجعله قسراً؛ لأنك إن أعطيت الإنسان حقه، ثم جعلت لأريحيته أن يتنازل عن الحق فهذا إرضاء للكل. وهكذا ينمي الحق الأريحية الإيمانية في النفس البشرية؛ لأنه لو جعلها قسراً لأصلح ملكة على حساب ملكة أخرى. ولذلك إذا رأيت إنساناً قد اعتدى على إنسان آخر، فدفع الإنسان المعتدى عليه بالتي هي أحسن وعفا وأصلح فقد ينصلح حال المعتدي، وسبحانه القائل:{ادفع بالتي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الذي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} .
فإذا تمادى من بعد ذلك فعلى الإنسان أن يعرف أن الله لا يكذب أبداً، ولا بد أن الخلل في سلوكك يا من تظن أنك دفعت بالتي هي أحسن.
قد يكون الذي دفع بالتي هي أحسن قد قال بلهجة من التعالي: سأعفو عنك، ومثل هذا السلوك المتكبر لا يجعل أحداً وليًّا حميمًا. لكن إن دفع حقيقة بالتي هي أحسن تواضعاً وسماحة، فلا بد أن يصير الأمر إلى ما قاله الله:{فَإِذَا الذي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} . والتفاعلات النفسية المتقابلة يضعها الله في إطارات واضحة وسبحانه القائل:{فَمَنِ اعتدى عَلَيْكُمْ فاعتدوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعتدى عَلَيْكُمْ}[البقرة: ١٩٤]