هم اعترفوا بعظمة القرآن، واعترافهم بعظمة القرآن مع غيظهم من نزوله على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ جعلهم مضطربين فكرياً، لقد اعترفوا بعظمة القرآن بعد أن نظروا إليه. . فمرة قالوا: إنه سحر، ومرة قالوا: إنه من تلقين بعض البشر، وقالوا: إنه شعر، وقالوا: إنه من أساطير الأولين. وكل ذلك رهبة أمام عظمة القرآن. ثم أخيرا قالوا:{لَوْلاَ نُزِّلَ هذا القرآن على رَجُلٍ مِّنَ القريتين عَظِيمٍ} .
ولكن ألم يكن هو القرآن نفسه الذي نزل؟ إذن. فالآفة - عندهم - أنه نزل على محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وذلك من الحسد:{أَمْ يَحْسُدُونَ الناس على مَآ آتَاهُمُ الله مِن فَضْلِهِ}[النساء: ٥٤]
لأن قولهم لا يتسم أبداً بالموضوعية، بل كل كلامهم بُعْدٌ عن الحق وتخبط. لقد قالوا مرة عن القرآن: إنه سحر، وعندما سألهم الناس: لماذا لم يسحركم القرآن إذن؟ فليس للمسحور إرادة مع الساحر. ولم يجدوا إجابة. وقالوا مرة عن القرآن: إنه شعر، فتعجب منهم القوم لأنهم أمة الشعر، وقد سبق لهم أن علقوا المعلقات على جدار الكعبة، لكنه كلام التخبط.
إذن فالمسألة كلها تنحصر في رفضهم الإيمان، فإذا أمسكتهم الحجة من تلابيبهم في شيء، انتقلوا إلى شيء آخر.
ويوضح سبحانه: إن كانوا يطلبون كتاباً فالكتاب قد نزل، تماماً كما نزل كتاب من قبل على موسى. وماداموا قد صدقوا نزول الكتاب على موسى، فلماذا لا يصدقون نزول الكتاب على محمد؟ ولا بد أن هناك معنى خاصاً وراء قوله الحق:{يَسْأَلُكَ أَهْلُ الكتاب أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ السمآء} . ونعلم أن الكتاب نزل على موسى مكتوباً جملة واحدة، وهم كأهل كتاب يطلبون نزول القرآن بالطريقة نفسها، وعندما ندقق في الآية نجدهم يسألون أن ينزل عليهم الكتاب من السماء؛ وكأنهم يريدون أن يعزلوا رسول الله وأن يكون الكلام مباشرة من الله لهم؛ لذلك يقول الحق في موقع آخر: