ماذا طلبوا؟ . . قالوا:{فادع لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأرض} . . {ادع لَنَا رَبَّكَ} أي أطلب من الله. . ولأن الدعاء لون من الطلب فإنك حين تتوجه إلى الله طالبا أن يعطيك. . فإنك تدعو بذلة الداعي أمام عزة المدعو. . والطلب إن كان من أدنى إلى أعلى قيل دعاء. . ومن مساوٍ إلى مساوٍ قيل طلب. . ومن أعلى إلى أدنى قيل أمر. .
لقد طلب بنو إسرائيل من موسى أن يدعو الله سبحانه وتعالى أن يخرج لهم أطعمة مما تنبت الأرض. . وعددوا ألوان الأطعمة المطلوبة. . وقالوا:{مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا} . . ولكنها كلها أصناف تدل على أن من يأكلها هم من صنف العبيد. . والمعروف أن آل فرعون إستعبدوا بني إسرائيل. . ويبدو أن بني إسرائيل أحبوا حياة العبودية واستطعموها. .
الحق تبارك وتعالى كان يريد أن يرفع قدرهم فنزل عليهم المن والسلوى.
. ولكنهم فضلوا طعام العبيد. . والبقل ليس مقصوداً به البقول فحسب. . ولكنه كل نبات لا ساق له مثل الخس والفجل والكرات والجرجير. . والقثاء هو القتة صنف من الخيار. . والفوم هو القمح أو الثوم. والعدس والبصل معروفان. . والله سبحانه وتعالى قبل أن يجيبهم أراد أن يؤنبهم: فقال {أَتَسْتَبْدِلُونَ الذي هُوَ أدنى بالذي هُوَ خَيْرٌ} . .
عندما نسمع كلمة استبدال فاعلم أن الباء تدخل على المتروك. . تقول إشتريت الثوب بدرهم. . يكون معنى ذلك إنك أخذت الثوب وتركت الدرهم.
قوله تعالى:{الذي هُوَ أدنى بالذي هُوَ خَيْرٌ} . . أي انهم تركوا الذي هو خير وهو المن والسلوى. . وأخذوا الذي هو أدنى. . والدنو هنا لا يعني الدناءة. . لأن ما تنتجه الأرض من نعم الله لا يمكن أن يوصف بالدناءة. . ولكن الله تبارك وتعالى يخلق بالأسباب ويخلق بالأمر المباشر. . ما يخلقه الله بالأمر المباشر منه بكلمة «كن» . . يكون خيرا مما جاء بالأسباب. . لأن الخلق المباشر لا صفة لك فيه. . عطاء خالص من الله. . أما الخالق بالأسباب فقد يكون لك دور فيه. . كأن تحرث الأرض أو تبذر البذور. . ما جاء خالصا من الله بدون أسبابك يقترب