موسى للرسالة، حدثت هذه الواقعة وهو ذاهب إلى شعيب، ولم يكن رسولاً بعد، مما يدل على أن فطرية الإيمان كانت موجودة عنده، وأن الله قد صنعه على عينه، لقد ورد ماء مدين ووجد الفتاتين تذودان وتطردان الماشية عن الماء، فماذا دار بينه وبينهما من حوار؟ . وكيف كانت رؤيته لهما أولاً:{وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ الناس يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امرأتين تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لاَ نَسْقِي حتى يُصْدِرَ الرعآء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ}[القصص: ٢٣]
وفي قول المرأتين:{لاَ نَسْقِي حتى يُصْدِرَ الرعآء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} قدر من المبادئ فخروجهما من البيت سببه أن الأب شيخ كبير، ومع أنهما في ضرورة وخرجتا للعمل فلم تنس واحدة منهما أنها أنثى يجب أن تُحترم أنوثتها فقالتا:{لاَ نَسْقِي حتى يُصْدِرَ الرعآء} أي أنهما ستسقيان من بعد أن يذهب الزحام من الرجال حول البئر. إذن فقد أخذت بنتا شعيب الضرورة في حجمها ولم تتخذ إحداهما من الضرورة حجة لإهدار الأنوثة والتزاحم للوصول إلى البئر. فماذا حدث من موسى؟ . {فسقى لَهُمَا} .
تلك الهمة الإيمانية التي وُجدت في موسى قبل أن يصير رسولاً، وذلك ما يوضحه لنا الحق حتى لا يقول إنسان: كيف أكون مثل رسول من عند الله؟ .
كأن الهمة الإيمانية التي وصَفتها تلك اللقطة القصصية توقظ مسئولية كل مؤمن ليسلك مثل هذه السلوك. فعندما يرى امرأةً قد خرجت عن محيط بيتها لأي عمل، فعليه أن يقضي لها حاجتها حتى ترجع إلى بيتها وذلك دون أن يتخذ من ذلك ذريعة ووسيلة إلى أمر ينزل بهمته وينال من مروءته.
ولو انتشرت بيننا تلك الهمة الإيمانية لما وجدنا امرأة في الطريق إلا للضرورة. لقد أوضحت لنا تلك اللقطة القصصية حرص المرأة على موضعها وموقعها من الستر، فتقول واحدة من المرأتين لأبيها شعيب بعد أن استقدمه ليجزيه أجر ما سقى لهما:{ياأبت استأجره إِنَّ خَيْرَ مَنِ استأجرت القوي الأمين}[القصص: ٢٦]