إذن، فطريقة التقاء الحق بالأنبياء؛ إما أن تكون بالوحي، وإما أن تكون من وراء حجاب، وإما أن تكون بإرسال رسول كجبريل عليه السلام. فإذا ما نظرنا إلى الآية وجدنا أن الوحي ينقسم إلى ثلاثة أقسام: وحي خاص، وكلام من وراء حجاب، وإرسال رسول، وكل هذه الأقسام الثلاثة تدخل في إطار الوحي {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ الله إِلاَّ وَحْياً} .
أي ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا إلهاماً وقذفا في القلب، أو يكلمهُ {مِن وَرَآءِ حِجَابٍ} وهو كلام من الله يسمعه الرسول، لكنه لا يرى المتكلم وهو الله. أما الوحي بواسطة الرسول، فهو نزول جبريل إلى الرسول بما أوحى به الله.
فإذا ما نظرنا إلى قوله الحق:{وَكَلَّمَ الله موسى تَكْلِيماً} فكأنه سبحانه قد خصه بهذه العبارة ليدل على أنه أوحى لموسى بطريقتين، أولاً: بالطريق الذي أوحى به إلى غيره من الأنبياء، ثانياً: بالطريق الخاص وهو كلام الله الذي بدأ به موسى بالوادي المقدس.
وقوله الحق:«تكليماً» يدفعنا إلى التساؤل: لماذا جاء الحق بالمصدر هنا؟ . لأن مطلق الوحي بأي وسيلة سماه الله كلاماً. إذن فالنفخ في الرُّوع كلام، والكلام من وراء حجاب كلام، وإرسال الرسول بالوحي كلام. والكلام هو ما يدل على مراد المتكلم من المخاطب، بدليل أن الله سمى الوحي في صوره الثلاث كلاماً {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ الله إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَآءُ} .
والخفاء في الوحي إما أن يكون خفاء في الأسلوب، أي لا يسمعه أحد غير الرسول، وقد لا يسمعه الرسول ويكون بقذف الكلام في رُوع الرسول وقلبه وهو يؤدي مؤدي الكلام أي الدلالة على ما في نفس المتكلم الذي يريد نقله للمخاطب.