{إِنَّ مَثَلَ عيسى عِندَ الله كَمَثَلِءَادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ}[آل عمران: ٥٩]
ولا يملك أحد القيد على فضل الله ووسعه، ومسألة آدم كانت أدق، لكن الله بتفضله يساوي بين خلق عيسى وخلق آدم، وهذا هو التلطف في الجدل. وأخبرنا سبحانه عن عيسى أنه جاء بأمر منه، وقال في آدم:{فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي}[الحجر: ٢٩]
إذن فآدم قد احتاج إلى الأمرين نفسيهما:«كن» ، و «النفخ فيه من الروح» ، وعندما ننظر إلى هذه المسألة نجد أننا لا بد أن نتعرض لقضية خلق آدم، حتى نعرف كيف تسلسلت مسألة الخلق، سواء أكان الخلق ملائكة أم خلق آدم أم خلق حواء أو غيرهم من الخلق، كذلك خلق عيسى. لقد كان خلق آدم غيباً عن آدم، وليس لآدم نفسه ولا لمن جاء بعده أن يتكلم كيف خُلق؛ لأن هذه المسألة لا دخل لأحد بها، ويقول لنا الخلق محذرا من أن نستمع إلى قوم يقولون بغير ذلك عن الخلق فقال:{مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السماوات والأرض وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ المضلين عَضُداً}[الكهف: ٥١]
ولا يمكن - إذن - أن نستمع إلى هؤلاء الذين افترضوا أن أصل الإنسان قرد أو غير ذلك؛ لأن الذي يتكلم عن الخلق بغير علم من عند الله، فهو يتكلم في أمر لم يشهده.
والخلق الأول أمر لا يمكن أن يدخل المعمل التجريبي؛ لأن المعمل التجريبي إنما يحلل مواد موجودة بالفعل. إذن فالحكم على أمور بغَير ما أخبرنا بها الله أمر باطل. ولم يكن هناك أحد مع الله ساعة خلق الخلق ليقول لنا كيف تم ذلك. وعَلِمْنا هذه المسائل بإخبار الخالق لنا فهو الأعلم بنا، والخالق أخبرنا أنه خلقنا من ماء وتراب وطين وحمأ مسنون وصلصال كالفخار، وحدثنا بذلك في آيات متعددة. والذين يريدون أن يكذبوا القرآن يقولون: إن القرآن لم يأت بخبر واحد عن خلق