وبذلك يؤدب الحق سبحانه وتعالى خلقه ويجعلهم على ذكر دائم للمنهج فيأتي لهم في مكان ويقول لهم: الصيد محرم في هذا المكان، والطعام والشراب محرم في هذا الزمان؛ كصوم رمضان. وعدة الشهور عندنا كمسلمين اثنا عشر شهرا. أربعة منها حُرُم. ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب.
وفي الميقات يحرم الصيد على الحاج فقط، وهذا انضباط إيماني. وعندما يأتي الإنسان إلى الميقات فهو يحرم، أي يغير وضعه ويلبس لباساً خاصا بالحج، يلبسه كل الناس ليكون الكل سواسية؛ لأن الناس إنما يميزون بهندامهم وهيئاتهم، فيأمر سبحانه أن يطرح الإنسان هذا التمايز من فور الإحرام. وما كان من الحلال أن يفعله المسلم قبل الميقات وقد منعه الإسلام منه لا يجرؤ على أن يفعله بعد الميقات والإحرام.
ويستطيع المسلم قبل الميقات أن يحلق ويتطيب ويصطاد ويقطع من النبات؛ لكنه ما إن يبدأ الإحرام يمتنع عن ذلك حتى يستعد لما يشحن أعماقه بالوجود مع المنعم لا مع النعمة، هذا هو التهيؤ للدخول إلى بيت المنعم، ولذلك يضع المسلم النعمة على جانب ليبقى مع المنعم. ويمنع الإنسان أن يصيد في الحرم محرماً كان أو غير محرم ليشعر الكل أن الحرم لله فقط. وتستعد كل النفوس للقاء المهابة. ويمتنع الإنسان من أول الميقات عن أشياء كثيرة بداية من الصيد والاستمتاع بالحقوق الزوجية؛ ثم يدخل منطقة يحرم فيها الصيد على كل الناس كرمز للمهابة.
ويحج المسلم في حياته مرة واحدة كأداء الفريضة؛ وفي كل مرة تحج وتقصد بيت ربّك يوضح الله لك فيها: لا تنشغل بالنعم لأنك ذاهب إلى المنعم، ويمحو سبحانه بالحج كل الذنوب. {غَيْرَ مُحِلِّي الصيد وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} فإن أردناها محرمين فهي صحيحة، وإن أردناها للحرم فهي صحيحة؛ لأن الصيد محرم في منطقة الحرم للحاج أو لغيره.
ويذيل الحق الآية:{إِنَّ الله يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} وسبحانه بدأ الاية بقوله: {يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ} هكذا نرى أن التذييل منطقي يتفق فيه آخر الآية مع صدرها؛ لأن الله حين يخاطب المؤمنين الذين آمنوا به، فمن لوازم الإيمان أن ينفذوا حكم الله الذي