ونسأل: من هو الرب الذي أمر؟ هل هو الرب الأعلى، أو الرب الذي كانوا يعبدونه؟ أي إله كانوا يقصدون؟ إن كان المقصود به الإله الأعلى، فمن أدراهم أن الله أمر بهذا السفر أو نهى عن ذلك السفر؟ إن ذلك كذب على الله. وإن كان الذي أمر هو الرب الذي يعبدونه، فهذا أمر باطل من أساسه، إذن ف «استقسم» أي أنّه طلب حظه وقسمته بواسطة القداح. وكان الاستقسام يتم في مسائل الزواج أو عدم الزواج، والكلام هنا في هذه الآية عن الأكل؛ فالسياق عن تحليل ألوان الطعام فلماذا هذا الاستقسام؟
من هذا نعرف أنهم كانوا في الجاهلية يخضعون للون من الاستقسام بالأزلام، كانت عندهم عشرة قداح وكان مكتوبا عليها أسماء، فواحد على سبيل المثال مكتوب عليه «الفذ» وعليه علامة واحدة.
أي أن الذي يسحب هذا القدح يأخذ نصيبا واحداً؛ أما المكتوب عليه «التوأم» فيأخذ نصيبين، والمكتوب عليه «الرقيب» يأخذ ثلاثة أنصباء، والمكتوب عليه «الحِلس» يأخذ أربعة أنصباء، والمكتوب عليه «النافر» يأخذ خمسة أنصباء؛ والمكتوب عليه «المُسْبل» يأخذ ستة أنصبة، ووالمكتوب عليه «المُعلّي» يأخذ سبعة أنصبة، والباقي ثلاثة أنواع مكتوب على كل واحد منها إما «المنيح» وإمّا «السفيح» وإمّا «الوغد» .
وعندما يقومون بذبح الجمل كانوا يقسمونه إلى ثمانية وعشرين نصيباً بعدد الأنصبة التي ينالها الأشخاص السبعة الأوائل، أما من خرج لهم «المنيح» أو «السفيح» أو «الوغد» فلا نصيب لهم ويدفعون ثمن الذبيحة.
إذن فقوله الحق:{وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بالأزلام} أي أن مسألة طلب القسمة بواسطة الأزلام هو أسلوب مجحف وحرام، وهو لون من الميسر، والاستقسام بالأزلام خلاف القرعة، فالقرعة تكون بين اثنين متساويين ولا يريد أحدهما أن يظلم الآخر، فيخرجا الهوى من الاختيار.
مثال ذلك: اثنان من البشر يملكان بيتاً، وتحري كل منهما العدل في القسمة ويلجآن إلى القرعة بأن يكتب كل منهما اسمه في ورقة ثم يضعا الورقتين في إناء ضيق ويحضر طفل صغير لا يعرف المسألة ويغمض عينيه ويشد ورقة من الاثنتين، فيأخذ كل واحد النصيب الذي حددته القرعة.