يدق جرس الامتحان بخمس دقائق يأتي له واحد من زملائه ويقول له: ها ذاكرت الموضوع الفلاني. فيقول الطالب: لا لم استذكره. فيقول الصاحب: هذا الموضوع سيأتي منه سؤال في الامتحان. فيخطف الطالب كتابا ويقرأ فيه هذا الموضوع لمرة واحدة. هذا الطالب في هذه اللحظة لا يتذكر ماذا سيأكل على الغداء هذا اليوم، أو من سيقابل. بل يعرف أنه بصدد أمر فرصته ضيقة، ويركز كل ذهنه ليستقبل ما يقرأه. وفي لحظة واحدة يحفظ هذا الموضوع. وإذا جاء الامتحان ووجد السؤال فهو يجيب عليه بأدق التفاصيل. وقد نجد طالبا آخر جلس لأيام يحاول استذكار هذا الدرس بلا طائل.
إذن فالذهن يلتقط مرة واحدة، شريطة ألا يستقبل الإنسان ما يقرأه أو يسمعه من معلومات والذهن مشغول بأشياء أخرى. والدليل على ذلك: أن الإنسان قد يسمع القصيدة مرة واحدة أو يسمع الخطبة مرة واحدة فيحفظ من القصيدة أكثر من بيت، أو يحفظ من الخطبة أكثر من مقطع؛ لأن ذهن الإنسان في تلك اللحظة كان خياليا فالتقط الأبيات التي حفظها، وكذلك الخطبة، أما بقية أجزاء القصيدة أو الخطبة فقد يكون الذهن شرد إلى أشياء أخرى. ولذلك يحاول الإنسان أن يكرر الاستماع والإصغاء والقراءة أكثر من مرة ليهيئ ويعد بؤرة الشعور، فيحفظ الإنسان ما يريد.
إذن فالذهن يلتقط مرة واحدة، أما الذاكرة فهي تتذكر أي تستحضر المعاني التي قد تختفي في الحافظة، ولا شيء يضيع في الحافظة أبدا، بحيث إذا جاء الاستدعاء طفت المعاني على السطح.
كأن انطباعات الإنسان في نعم الله لا تُنسى أبدا. وهي موجودة عند الإنسان، ولكنها تريد من الإنسان أن يستدعيها من الحافظة ويطلبها.
ولنر دقة الأداء القرآني:{واذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ} سبحانه يقول هنا «نعمة» مع ان نعم الله كثيرة، ولكن الله قد آثر أن يأتي بالمفرد ولم يأت بالجمع. وذلك ليبين للإنسان أن أية نعمة في أية زاوية من حياة الإنسان تستحق أن يذكرها الإنسان؛ فنعم الله كثيرة، ولكن ليتذكر الإنسان ولو نعمة واحدة هي نعمة الإيجاد من عدم، أو نعمة البصر، أو السمع. وكل نعمة من هذه النعم تستحق من الإنسان أن يتذكرها دائما، ولا تطرد نعمة نعمة أخرى، فما بالنا إذا كانت النعم كثيرة؟