ولنلحظ أن تبييت الله خير. وقد أراد الحق سبحانه وتعالى أن يُعلم أعداء الإسلام أنه بعد هذا التبييت لن تنالوا من رسولي، لن تنالوا منه بكل وسائلكم سواء أكانت تعذيباً لقومه أم تبييتا له. وعلى الرغم من أنهم بيتوا كثيراً إلا أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ خرج من بيته في مكة إلى المدينة وهم نائمون:{فَأغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ}[يس: ٩]
ونجد العجب في كف أيدي الكافرين عن رسول الله. فكل أجناس الوجود قد اشتركت في عملية كف أيدي الكافرين عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ سواء أكانت تلك الأجناس جماداً أم نباتاً أم حيواناً أم إنساناً، نثر رسول الله التراب وهو جماد فأغشي به الكافرين، وصار التراب من جنود الله.
وها هي ذي أسماء بنت أبي بكر تحمل الطعام لهم في الغار وهي ترعى الغنم، والأغنام تجد الحشائش فترعاها وتزيل الأثر الذي أحدثه ركب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ.
لقد اشترك النبات في كف أيدي الكافرين عن رسول الله، وكذلك الأغنام وهي من الحيوان، وكذلك فرس سراقة التي ساخت وغاصت قوائمها في الأرض، ثم الحمامة التي بنت عشها على الغار، وكذلك العنكبوت الذي بنى بيته على الغار، ورضخت كل جنود الله لأمر الله فشاركت في عملية كف أيدي الكافرين عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ.
والأعجب من ذلك أن الحق سبحانه وتعالى قد كف أيدي الكافرين بالكافرين، فالرسول الذي جاء ليهدي الخلق ويسير بهم إلى النور من الظلمات، نجد الذي يهديه في طريقه إلى المدينة هو أحد الكفار. وهكذا نرى أن هداية المعاني تستخدم هداية المادة، والرسول هو الحامل لهداية المعاني يستخدم هداية المادة ممثلة في ذلك الكافر. ونعرف أن من جنود الإسلام في دار الهجرة كان اليهود - برغم أنوفهم - ألم يقولوا للأوس والخزرج: سيأتي من بينكم نبي نتبعه ونقتلكم معه قتل عاد وإرم؟ فلما سمع الأوس والخزرج أن نبياً ظهر في مكة، قالوا: هذا هو النبي الذي توعدتنا به