وبالفعل ذهب المسلمون إلى الحبشة مهاجرين. وحاولت قريش أن تسترد المسلمين من أرض النجاشي. وأرسلت قريش بعثة لاستردادهم ورفض النجاشي. وسمع النجاشي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وعلم أنه النبي الذي بشر به الإنجيل. ولاشك أن النجاشي قد أسلم لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ صلى على النجاشي عندما مات. وكان إسلام النجاشي مكافأة له من الله؛ لأنه حمى المؤمنين بالله وبرسوله عنده. وما أعظم المكافأة التي نالها النجاشي أن يموت على الإسلام وأن يصلي عليه سيدنا رسول الله صلاة الغائب.
إن كل هذا من كف أيدي الكافرين عن المؤمنين وعن رسول الله، ومن أجل أن يثبت الحق للجميع أن المؤمنين على حق وأن الله لن يخذلهم، فلا يخطر ببال المؤمنين أن عدوهم أقوى منهم؛ فالله أقوى من خلقه:{فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ} وكف أيدي الكافرين عن المؤمنين لأنه - سبحانه - يعد المؤمنين ليكونوا حملة منهجه إلى الخلق. ولذلك يجب أن يداوم المؤمنون على تكاليف الإيمان وتقوى الله ليكف الله أيدي الكافرين عنهم، فلا يتغلب كافر على مؤمن في لحظة من اللحظات إلا إذا كان المؤمن قد تخلى عن شيء في منهج الله؛ لأن الحق لا يقول قضية قرآنية ثم يترك القضايا الكونية التي تحدث في الحياة لتنسخ هذه القضية القرآنية.
لقد قال:{وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغالبون}[الصافات: ١٧٣]
إذن فعندما ترى جنداً من المسلمين قد انهزموا فلتعلم أنهم قد تخلوا عن منهج الله فتخلى الله عنهم، بدليل أن بعضاً من المسلمين ساعة لم ينفذوا ما أمر به رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ غلبهم الكفار، فالله لا يغير سنته من أجل أناس نُسبوا إليه ولم ينفذوا تعاليم منهجه. والحق يقول:{إِن تَنصُرُواْ الله يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}[محمد: ٧]